لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
لذا فإنّ القرآن يحكي عن حالهم فيقول: إنّهم في هذه الحال يرجعون إلى أنفسهم، ويندمون على أفعالهم، ويتملكهم الخوف من المصير المرعب، ويودون بأن يعطوا فرصة لجبران ما فات والايمان بالرسالة الالهية: (فيقولوا هل نحن منظرون)... بحوث 1 - العصبية القومية والقبلية الشديدة!... لا شك أن كل إنسان يرتبط بأرض أو قبيلة أو قومية فإنّه يعشقها، وهذه العلاقة بالأرض أو القبيلة، ليست غير معيبة فحسب، بل هي عامل بنّاء لأبناء المجتمع، إلاّ أن لهذا الأمر حدوداً، فلو تجاوز الحدود فإنه سينقلب إلى عامل مخرب، وربّما إلى عامل مفجع. والمراد من التعصب أو العصبية القومية أو القبلية المذمومة والسلبية، هو الإفراط في التعصب أو العصبية... "التعصب" و "العصبية" في الأصل من مادة (عصب) ومعناه واضح، وهو الغضروف الذي يربط المفاصل، ثمّ أطلق التعصب والعصبية على كل ارتباط... إلاّ أن هذا اللفظ أو هذين اللفظين يستعملان عادة في المفهوم الإفراطي المذموم. إن الدفاع المفرط عن القوم أو القبيلة أو الأرض والوطن، كان مصدراً لكثير من الحروب على طول التاريخ، وعاملا على انتقال الخرافات والتقاليد السيئة على أنها آداب وسنن في قبيلة ما أو اُمّة ما! إلى اُمم أُخَر! هذا الدفاع أو الإنتماء المتطرف، قد يبلغ حداً بحيث يرى أسوأ أفراد قبيلته في نظره جميلا، وأحسن أفراد القبيلة الأُخرى في نظره سيئاً... وكذلك الحال بالنسبة إلى السنن والآداب السيئة والحسنة... وبتعبير آخر: إنّ التعصب القومي يلقي ستاراً من الجهل والأنانية على أفكار الإنسان وعقله، ويلغي التقييم الصحيح! هذه الحالة من العصبية كانت لها صورة أكثر حدة بين بعض الاُمم، ومنهم العرب المعروفون بالتعصب. وقد قرأنا في الآيات الآنفة أنّه لو أنزل الله القرآن على غير العرب لما كانوا به مؤمنين. وقد ورد في الرّوايات الإسلامية التحذير من التعصب، على أنّه خُلق مذموم، حتى أنّنا نقرأ حديثاً عن رسول(ص) يقول فيه: "من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبية، بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية".(4) ونقرأ حديثاً آخر عن الإمام الصادق(ع) يقول فيه: "من تعصب أو تُعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه".(5) ويستفاد من الرّوايات الإسلامية أيضاً، أن إبليس أوّل من تعصب... يقول الإمام علي(ع) في بعض خطبه - المعروفة بالقاصعة - في مجال التعصب كلاماً بليغاً مؤثراً، ننقل جانباً منه هنا: "أمّا إبليس فتعصب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناري وأنت طيني).(6) ثمّ يضيف الإمام علي في خطبته هذه قائلا: "فإن كان لا بدّ من العصبية، فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأُمور".(7) ويتّضح من هذا الحديث - بجلاء أن التعصب والدفاع المستميت عن بعض الحقائق والايجابيات ليس غير مذموماً فحسب، بل بامكانه أن يسدّ فراغاً روحياً قد ينشأ من ترك بعض العادات الجاهلية المقيتة. لذلك نقرأ عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع) حين سئل عن التعصب قوله: "العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم".(8) والتعبير الآخر عن العصبية الوارد في بعض الروايات أو الآيات هو الحمية (حمية الجاهلية). وبالرغم من أن الأحاديث في هذا المجال كثيرة، إلاّ أننا نختم بحثنا بحديثين منها: يقول أمير المؤمنين علي(ع) "إنّ الله يعذب ستةً بست - العرب بالعصبية، والدهاقنة بالكبر، والأمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل).(9) وكان رسول الله يتعوذ في كل يوم من ست "من الشكِّ والشرك والحميّة والغضب والبغي والحسد".(10) 2 - طلب الرجوع إلى الدنيا... من لحظة الموت تبدأ حسرات المجرمين وآهاتهم، وتشتعل في قلوبهم رغبة الرجوع إلى الدنيا، ويصرخون ويدعون ولات حين مناص... وفي القرآن الكريم أمثلة كثيرة في هذا الصدد، أكثرها بساطة هذه الآية محل البحث (هل نحن مُنظرون). أمّا في الآية (27) من سورة الأنعام فنقرأ: (يا ليتنا نُردّ ولا نكذب بآيات ربّنا). أمّا في الآية (66) سورة الأحزاب فتقول منها: (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا). ونقرأ في الآيتين 99 - 100 من سورة المؤمنون: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت). وهذه الحالة تستمر حتى في صوره وقوف المجرمين على حافة النار، كما في الآية 27 من سورة الأنعام، إذ تقول: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نُردّ ولا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين)... إلاّ أن هذه العودة لن تتحقق، لأنّها سنة الله سبحانه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، فلو قطعت ثمرة غير ناضجة من الشجرة ثمّ عادت، ولو سقط الجنين من بطن اُمّه قبل اكتماله، ثمّ عاد الى الرحم... لا مكن أن يعود هؤلاء... فبناءً على ذلك فإن الطريق الوحيد المعقول، هو التوقّي من حسرة ما بعد الموت بالتوبة من الذنب، والأعمال الصالحة، ما دامت الفرصة سانحة وإلاّ فلا ينفع الندم بعد فوات الأوان!... 3 - فضل العجم: جاء في تفسير علي بن إبراهيم عن الإِمام الصادق ذيل الآيات محل البحث أنه قال: "لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب... وقد نزل على العرب فآمنت به العجم، فهذه فضيلة العجم".(11) "وفي هذا الصدد كانت لنا إشارات ذيل الآية 54 من سورة المائدة". ﴿فَيَقُولُوا﴾ ندما ﴿هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ﴾ لنؤمن.