وفي الآية الأُخرى بيان لحالة هذين الفريقين في مثال حيّ وواضح.. حال الأعمى والأصم، وحال السميع والبصير، فتقول الآية: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا) ثمّ تعقب الآية (أفلا تذكرون) ؟!
وكما هو معلوم في علم (المعاني والبيان) ، فإِنّه من أجل تجسيم الحقائق العقلية وتوضيحها وتبييّنها لعامّة الناس تشبه المعقولات بالمحسوسات دائماً.
والقرآن الكريم اتبع هذه الطريقة بكثرة، وبيّن كثيراً من المسائل الدقيقة وذات الأهمية البالغة بأمثلة جليّة وأخّاذة، وبيّن حقائقها في أحسن صورة!
البيان السابق من هذا القبيل، لأنّ أحسن الوسائل التي لها أثرها في معرفة الحقائق الحسية في عالم الطبيعة هي "العين والأذن" ولذلك لايمكن أن يُتصور أن أفراداً يُولدون صمّاً وعمياناً يستطيعون أدراك مواضيع هذا العالم بصورة صحيحة، فهم يعيشون في عالم غامض ومجهول.
كذلك حال منكري الوحي، فبسبب لجاجتهم وعدائهم للحق ووقوعهم أسرى بمخالب التعصب والأنانية وعبادة الذات، فقدوا بصرهم وسمعهم للحقيقة البيّنة، فلا يستطيعون ادراك الحقائق المرتبطة بعالم الغيب، وتأثير الإِيمان، والتلذذ بعبادة الله، وعظمة التسليم لأمره.
هؤلاء الأفراد يعيشون أبداً عمياناً صمّاً في ظلام مطبق وسكوت مميت.. في حين أنّ المؤمنين الصادقين يرون كل حركة بأعين بصيرة، ويسمعون كل صوت بآذان سميعة، وبالتوجه إِلى طريقهم يكون مصيرهم "السعادة".
﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ﴾ الكفرة والمؤمنين ﴿كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾ من قبيل اللف والنشر ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾ تشبيها ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ بالتأمل في الأمثال.