الوصية بالمعروف:
الآيات السابقة ذكرت تشريع القصاص، وهذه الآيات تذكر تشريع الوصية، باعتباره جزءاً من النظام المالي، وتذكر باُسلوب الحكم الإِلزامي فتقول: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
ثم تضيف الآية أن هذه الوصيّة كتبت ﴿حَقّاً عَلَى الْـمُتَّقينَ﴾.
ذكرنا أن تعبير ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾ يدل على الوجوب، من هنا كان هذا التعبير وقع بحث لدى المفسرين في هذه الآية، ولهم فيها أقوال مختلفة:
1 - جاء في الآية الكريمة بشأن كتابة الوصية كونها ﴿حَقّاً عَلَى الْـمُتَّقِينَ﴾، من هنا فإنها مستحبة استحباباً مؤكداً، ولو كانت واجبة لقالت الآية، «حَقّاً عَلَى الْمُؤْمِنينَ».
2 - قيل أيضاً: إن هذه الآية نزلت قبل نزول أحكام الإِرث، وكانت الوصية آنئذ واجبة، كي لا يقع نزاع بين الوَرَثَةِ.
ثم نسخ هذا الوجوب بعد نزول آيات الإِرث، وأصبح حكماً استحبابياً.
وفي تفسير «العيّاشي» حديث يؤيّد هذا الاتجاه.
3 - يحتمل أيضاً أن يكون حديث الآية عن موارد الضرورة والحاجة، أي حين يكون الإِنسان مديناً، أو في ذمته حق، والوصية واجبة في هذه الحالات.
يبدو أن التّفسير الأول أقرب من بقية التفاسير.
يلفت النظر أن الآية الكريمة عبرت عن المال بكلمة «خَيْر» فقالت: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً﴾.
وهذا يعني أن الإِسلام يعتبر الثروة المستحصلة عن طريق مشروع، والمستخدمة على طريق تحقيق منافع المجتمع ومصالحه خيراً وبركة.
ويرفض النظرات الخاطئة التي ترى الثروة شراً ذاتياً، ويردّ على أُولئك المتظاهرين بالزهد، القائلين إن الزهد مساو للفقر، مسبّبين بذلك ركود المجتمع الإِسلامي اقتصادياً، ومؤدين بمواقفهم الإِنزوائية إلى فسح المجال لاستثمار الطامعين خيرات أُمتهم.
هذا التعبير يشير ضمنياً إلى مشروعية الثروة، لأن الأموال غير المشروعة يليست خيراً بل شراً وبا.
ويستفاد من بعض الروايات أن تعبير «خَيراً» يراد به الأموال الموفورة، لأن المال اليسير لا يحتاج إلى وصية، ويستطيع الورثة أن يقسّموه بينهم حسب قانون الإِرث.
بعبارة اُخرى المال اليسير ليس بشيء يستدعي أن يفصل الإِنسان ثلثه عن طريق الوصية.
وجملة ﴿إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ تبيّن آخر فرصة للوصيّة، وهذه الفرصة الأخيرة إن فاتت أيضاً فلا فرصة بعدها... أي لا مانع أن يكتب الإِنسان وصيته قبل ذلك، بل يستفاد من الروايات أن هذا عمل مستحسن.
ولا قيمة لتلك التصورات المتشائمة من كتابة الوصية، فالوصية إن لم تكن باعثاً على طول العمر، لا تبعث إطلاقاً على تقريب أجل الإِنسان! بل هي دليل على بعد النظر وتحسّب الاحتمالات.
تقييد الوصية ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ إشارة إلى أن الوصية ينبغي أن تكون موافقة للعقل من كل جهة، لأن «الْمَعْرُوف» هو المعروف بالحُسْنِ لدى العقل.
يجب أن تكون الوصية متعقلة في مقدارها وفي نسبة توزيعها، دون أن يكون فيها تمييز، ودون أن تؤدي إلى نزاع وانحراف عن أُصول الحق والعدالة.
حين تكون الوصية جامعة للخصائص المذكورة فهي محترمة ومقدسة، وكل تبديل وتغيير فيها محظور وحرام.
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ ظهرت أسبأبه وأماراته ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا﴾ مالا كثيرا ﴿الْوَصِيَّةُ﴾ مرفوع بكتب وتذكيره بتأويل أن توصوا ﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالعدل فلا يتجاوز الثلث ولا يفضل الغني ولا يضر الوارث ﴿حَقًّا﴾ مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ قيل وجوبها منسوخ وجوازها واستحبابها باق.