ثمّ يضيف القرآن على الجملة آنفة الذكر معقّباً (ألم تر أنّهم في كل واد يهيمون).(3)
فهم غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية، حتى أن القوافي تجرهم إلى هذا الإتجاه أو ذاك، ويهيمون معها في كل واد... وهم غالباً ليسوا أصحاب منطق واستدلال، وأشعارهم تنبع ممّا تهيج به عواطفهم وقرائحهم... وهذه العواطف تسوقهم في كل آن من واد لآخر!...
فحين يرضون عن أحد يمدحونه ويرفعونه إلى أوج السماء، وإن كان حقه أن يكون في اسفل السافلين، ويُلبسونه ثوب الملاك الجميل وإن كان شيطاناً لعيناً...
ومتى سخطوا على أحد هجوه هجواً مراً وأنزلوه في شعرهم الى أسفل السافلين، وإن كان موجوداً سماوّياً.
تُرى هل يُشبه محتوى القرآن الدقيق المنطلقات الشعرية أو الفكرية للشعراء وخاصّة شعراء ذلك العصر، الذين لم تكن منطلقاتهم إلاّ وصف الخمر والجمال والعشق والمدح لقبائلهم وهجو أعدائهم...
ثمّ إن الشعراء عادةً هم رجال خطابة وجماهير لا أبطال قتال، وكذلك أصحاب أقوال لا أعمال، لذلك فإنّ الآية التالية تضيف فتقول عنهم: (وأنّهم يقولون ما لا يفعلون).
غير أن النّبي الكريم(ص) رجل عمل من قرنه إلى قدمه، وقد اعترف بعزمه الراسخ واستقامته العجيبة حتى أعداؤه، فأين الشاعر من النّبي(ص) ؟!
وممّا تقدم من الأوصاف التي ذكرها القرآن عن الشعراء، يمكن أن يقال بأن القرآن وصفهم بثلاث علامات:
الأُولى: أنّهم يتبعهم الغاوون الضالون، ويفرّون من الواقع، ويلجاؤون إلى الخيال.
والثّانية: أنّهم رجال لا هدف لهم، ومتقلّبون فكريّاً، وواقعون تحت تأثير العواطف!
والثّالثة: أنّهم يقولون مالا يفعلون... وحتى في المجال الواقعي لا يطبقون كلامهم على أنفسهم... إلاّ أنه لا شيء من هذه الأوصاف يصدق على النّبي، فهو في الطرف المقابل لها تماماً!
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ يذهبون غير مبالين بما نطقوا من غلو في مدح وذم.