لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ شرع هود ببيان الأجر المادي للإيمان لغرض التشويق والإِستفادة من جميع الوسائل الممكنة لإِيقاظ روح الحق في قومه الظالين فبيّن أن هذا الأجر المادي مشروط بالايمان فيقول: (ويا قوم استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إِليه) فإِذا فعلتم ذلك فإِنّه (يرسل السماء عليكم مدراراً) (1) لئلا تصاب مزارعكم بقلة الماء أو القحط، بل تظل خضراء مثمرة دائماً، وزيادة على ذلك فإنّ الله بسبب تقواكم وابتعادكم عن الذنوب والتوجه إِليه يرعاكم (ويزدكم قوّة إِلى قوتكم). فلا تتصوروا أنّ الإِيمان والتقوى يضعفان من قوتكم أبداً، بل إنّ قواكم الجسميّة ستزداد بالإِستفادة من القوّة المعنوية.. وبهذا الدعم المهم ستقدرون على عمارة المجتمع وبناء حضارة كبيرة وأُمّة مقتدرة تتمتع باقتصاد قوي وشعب حر مستقل، فعلى هذا إيّاكم والإِبتعاد عن طريق الحق (ولا تتولوا مجرمين). بحوث: 1 - التوحيدُ أساس دعوة الأنبياء: يبين تاريخ الانبياء أنّهم بدأوا دعوتهم جميعاً من التوحيد ونفي الشرك ونفي عبادة الأصنام أيّاً كانت، والواقع فإِنّ أي إِصلاح في المجتمعات الإِنسانية لا يتيسر بغير هذه الدعوة، لأنّ وحدة المجتمع والتعاون والإِيثار كلها أُمور تسترفد من منبع واحد وهو توحيد المعبود. وأمّا الشرك فهو أساس كل فرقة وتعارض وتضاد وأنانية.. وما إِلى ذلك.. وارتباط هذه المفاهيم بالشرك وعبادة الأصنام بالمفهوم الواسع غير خاف على أحد! الشخص الذي يدور حول نفسه - أو يجرّ النّار إلى قرصه - يرى نفسه فحسب، ولهذا فهو مشرك، لأنّ التوحيد يذيب "الانا" والذات الفردية في محيط إِجتماعي واسع عريض، والموحّد لا يرى شيئاً سوى واحد كبير، أي أن جميع المجتمع الإِنساني عباد الله! والاشخاص الذين يطلبون الإِستعلاء مشركون من نوع آخر، فهم في صراع مع أبناء جلدتهم ويرون منافعهم منفصِلة عن منافع الآخرين، فهذا التجزيء أو "هذه الإِزدواجية" ليس إلاّ شركاً في أوجه مختلفة. من هنا بدأ الأنبياء في سبيل اصلاح المجتمع بالدعوة الى توحيد المعبود "الله"، ثمّ توحيد الكلمة، وتوحيد العمل، وتوحيد المجتمع. 2 - قادة الحق لا يطلبون أجراً من أتباعهم. إِنّ الزعيم الواقعي يمكنه أن يكون في مأمن من أي اتهام ويواصل طريقه في غاية الحرية في صورة ما لو لم تكن له حاجة مادّية، فبذلك يستطيع أن يصحح كل انحراف في أتباعه، وإلاّ فإِنّ الحاجة الماديّة بالنسبة لهذا المصلح ستكون غلاَّ تصفَّدُ به يداه ورجلاه وقفلا على لسانه وفكره. ومن هذا الطريق.. طريق الحاجة الماديّة يدخل المنحرفون لممارسة ضغوطهم عليه عن طريق قطع المساعدات المادية أو عن طريق الإِغراء بزيادة المساعدات، ومهما يكن الزعيم والقائد نقياً صافياً ومخلصاً فهو انسان - أيضاً - ومن الممكن أن تزل قدماه ولهذا السبب نقرأ في الآيات الآنفة - وآيات أُخرى من القرآن - أنّ الأنبياء يعلنون بصراحة في بداية دعوتهم أنّه ليست لهم حاجة مادية ولا ينتظرون من أتباعهم الأجر. وهذا دستور لجميع القادة ولا سيما القادة الروحانيين ورجال الدين، غاية ما في الأمر لما كان هؤلاء المصلحون ورجال الدين يقضون أوقاتهم في خدمة الإِسلام والمسلمين، فينبغي أن تؤمن حاجاتهم المادية بطريق صحيح، وأن يقوم صندوق الإِعانة وبيت مال المسلمين بتكَفّل هذه الجماعة، فإِنّ واحداً من أغراض إِنشاء بيت المال في الاسلام هو هذا الغرض، أي ليصرف على رجال الدين المنشغلين بالإِصلاح والتبليغ. 3 - الذنب وهلاك المجتمعات كما نرى أيضاً - في الآيات المتقدمة - أنّ القرآن يقيم رابطة بين المسائل المعنوية والماديّة، فيعدّ الإِستغفار من الذنب والتوبة إِلى الله أساس العمران والخصب والخضرة والنضرة وزيادة في القوة والاقتدار. هذه الحقيقة نلمسها في كثير من آيات القرآن الكريم، من هذه الآيات ما ورد في سورة نوح على لسان هذا النّبي العظيم لقومه، حيث تقول الآيات (فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) (2). الطريف هنا أنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الربيع بن صبيح: قال: كنت عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فجاءه رجل وشكا له من الجدب والقحط، فقال له الحسن (عليه السلام): استغفر اللّه، فجاءه آخر فشكا له من الفقر، فقال: استغفر اللّه، فجاءه ثالث وقال له: ادع لي أن يرزقني اللّه ولداً، فقال الحسن (عليه السلام): استغفر اللّه، يقول الربيع بن صبيح: فتعجبت وقلت له: ما من أحد يأتيك ويشكو إليك أمره ويطلب النعمة إلاّ أمرته بالإستغفار والتوبة إلى اللّه.. فأجابه: "إنّ ما قلته لم يكن من نفسي، وإنّما استفدت ذلك من كلام اللّه الذي يحكيه عن لسان نبيّه نوح"، ثمّ تلا الآيات المتقدمة. (3) بعض الاشخاص أعتادوا على المرور بهذه المسائل مرور الكرام بأن يقيمون ارتباطاً معنوياً وعلاقة "غير معروفة" بين هذه الأُمور ويُريحون أنفسهم من كل تحليل. ولكن إِذا دققنا النظر أكثر نجد بين هذه الأُمور علائق متقاربة تشد المسائل المادية بالمعنوية في المجتمع كالخيط الذي يربط بين قطع القماش مثلا. فأيّ مجتمع يكون ملوّثاً بالذنب والخيانة والنفاق والسرقة والظلم والكسل وأمثال ذلك، ثمّ يكون هذا المجتمع عامراً كثير البركات! ؟ وأي مجتمع ينزع عنه روح التعاون ويلجأ إِلى الحرب والنزاع وسفك الدماء، ثمّ تكون أرضه خصبة خضراء، ويكون مرفهاً في وضعه الاقتصادي أيضاً؟! وأي مجتمع يغرق أفراده في دوامة الهوى والميول النفسيّة، ثمّ في الوقت ذاته يكون قويّاً راسخ القدم ويثبت أمام عدوّه؟! ينبغي القول بصراحة أنّه ما من مسألة أخلاقية إلاّ ولها أثر مفيد ونافع في حياة الناس المادّية، ولا يوجد اعتقاد وإِيمان صحيح إلاّ وكان لهما نصيب في بناء مجتمع عامر حرّ مستقلّ وقوي.. الافراد الذين يفصلون المسائل الأخلاقية والإِيمان بالدين والتوحيد عن المسائل الماديّة لا يعرفون المسائل المعنوية حقّاً ولا المسائل الماديّة. وإِذا كان الدين عبارة عن سلسلة من التشريعات والآداب الظاهرية والخالية من المحتوى بين الناس، فمن البديهي أن لا يكون له تأثير في النظام المادي. ولكن حين تكون الإِعتقادات المعنوية والروحانيّة نافذة في روح الإِنسان إِلى درجة تظهر آثارها على يده ورجله ولسانه وأذنه وعينه وجميع ذرات وجوده، فإِنّ الآثار البنّاءة لهذه الإِعتقادات في المجتمع لا تخفى على أحد. وقد لا نستطيع إِدراك علاقة الإِستغفار بنزول البركات المادية جيداً، ولكن دون شك فإِنّ قسماً كبيراً منها يمكن أن ندركه! لقد شاهدنا في مواجهات المسلمين الثائرين مع الكفار في هذا العصر والزمن - جيداً - أنّ الإِعتقادات الإِسلامية والقوى الأخلاقية والمعنوية استطاعت أن تنتصر على أحدث الأسلحة المعاصرة وأقوى الجيوش والقدرات الإِستعمارية، وإِن دلّ ذلك على شيء فإِنّما يدل على أثر العقائد الدينية الإِيجابية والمعنوية إِلى أقصى حدّ في المسائل الإِجتماعيّه والسياسيّة. 4 - ما المراد من قوله تعالى: (ويزدكم قوةً إلى قوتكم). إِنّ الظاهر من هذه الآية أنّ الله سبحانه يزيدكم من خلال الإِستغفار قوةً بالإِضافة إِلى قوتكم، يشير بعض المفسّرين إِليه أنّ المراد من هذه القوّة هي القوّة الإِنسَانيّة كما مرّ ذلك في سورة نوح: (ويمددكم بأموال وبنين) ومنهم من قال: إِنّها القوى المادية تضاف إِلى القوّة المعنويّة. ولكنّ تعبير الآية مطلق وهو يشمل أي زيادة في القوى المادية والمعنويّة، ولا يعارض أيّاً من التفاسير، بل يحتضنها جميعاً.. ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء﴾ بالمطر وكانوا قد أجدبوا ﴿عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ كثير الدر ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ بالمال والنسل وكانوا قد عقمت نساؤهم ﴿وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾.