لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي الآية الأخيرة التي تنتهي بها قصّة "هود" و قومه "عاد" بيان لنتيجة أعمالهم السيئة والباطلة حيث تقول الآية: (واتبعوا في هذه الدنيا لعنة) وبعد الموت لايبقى إلاّ خزيهم والصيت السيء (ويوم القيامة) يقال لهم (ألا إن عاداً كفروا ربّهم ألا بعداً لعاد قوم هود). وكان يكفي تعريف هذه الجماعة بلفظ "عاد" ولكن بعد ذكر عاد جاء لفظ "قوم هود" أيضاً لتوكّد عليهم أوّلا، ولتشير الى أنّهم القوم الذين آذوا نبيهم الناصح لهم ثانياً، ولذلك فقد أبعدهم الله عن رحمته. بحثان 1 - قوم عاد من منظار التاريخ بالرغم من أنّ بعض المؤرّخين الغربيين كــ "أسبرينكل" أرادوا أن ينكروا قصّة "عاد" من الناحية التاريخية، وربّما كان ذلك بسبب عدم توفر ذكر لهم في غير الآثار الإسلامية، ولم يجدوها في كتب العهد القديم "التوراة" ولكن هناك وثائق - تشير إلى قصّة عاد - مشهورة إجمالا بين العرب في زمن الجاهلية، وقد ذكرهم شعراء العرب قبل الإسلام، وحتى في العصر الجاهلي كانوا يطلقون لفظ "العاديّ" على البناء العالي والقوي نسبة إلى عاد. ويعتقد بعض المؤرّخين أنّ لفظ "عاد" يُطلق على قبيلتين: احداهما: قبيلة كانت تقطن الحجاز قبل التاريخ ثمّ زالت وزالت آثارها أيضاً، ولم ينقل التاريخ البشري عنها إلاّ أساطير لا يُطمأنّ إلى صحتها. والتعبير الوارد في القرآن "عاداً الأُولى" إشارة إلى هذه القبيلة. ولكن في زمن التاريخ - ومن المحتمل أن يكون في حدود 700 سنة قبل ميلاد المسيح - وُجد قوم آخرون باسم "عاد" قطنوا الأحقاف أو اليمن أيضاً. وكان أُولئك طوالا جساماً أقوياء مقتدرين، ولذلك كانوا يعدون من مثيري الحروب. كما أنّهم كانوا من الناحية الحضارية متمدنين، إذ كانت لهم مدن عامرة وأراضي خصبة خضراء وغابات نضرة، كما وصفوا في القرآن (... التي لم يخلق مثلها في البلاد). ولذلك يقول بعض المؤرّخين "المستشرقين": إنّ "عاداً" كانت تقطن في حدود "برهوت" إحدى نواحي حضر موت اليمن، وعلى أثر البراكين وجبال النّار التي حولها دمرت الكثير من قراهم ومدنهم وتفرقت بقاياهم. على كل حال فإنّ هؤلاء القوم كانوا يعيشون في نعم وترف، ولكن كما هي طريقة أغلب المتنعمين الغافلين والسكارى من أثر النعمة استغلّوا قدرتهم لظلم الآخرين واستثمارهم واستعمارهم.. واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأقروا عبادة الأوثان. وحين دعاهم نبيّهم هود (عليه السلام) بكلّ ما أوتي من جهد وجدّ ليضيء أفكارهم بنصحه ومواعظه، ويتمّ الحجّة عليهم، لم يكتفوا باهمال هذه الدعوة فحسب، بل نهضوا لإسكات هذا الصوت النيّر لهذا النّبي العظيم فمرّة نسبوه إلى السفاهة والجنون، ومرّة هددوه بغضب آلهتهم، ولكنّه وقف صامداً أمامهم كالجبل لا يخشى غضب هؤلاء القوم المغرورين الأقوياء، حتى استطاع أن يكتسب منهم جماعة تقدّر بأربعة آلاف وطهّر قلوبهم ودعاهم إلى منهاجه وعقيدته، لكن بقي الآخرون مصرّين على عنادهم ولجاجتهم. وأخيراً - كما سيأتي في سورة الذاريات والحاقة والقمر - غمرهم إعصار شديد لمدّة سبعة ليال وستة أيّام جسوماً فأتى على قصورهم فدمّرها وعلى أجسادهم فجعلها كأوراق الخريف وفرقها تفريقاً، ولكن هود كان قد أبعد المؤمنين عن هؤلاء ونجّاهم من العذاب، وأصبحت حياة أُولئك القوم ومصيرهم درساً كبيراً وعبرة لكل الجبابرة والأنانيين (3). 2 - اللعن الدائم الأبدي على "عاد": هذا التعبير وما شابهه ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم في شأن أُمم مختلفة، حيث يقول الله سبحانه بعد ذكر أحوالهم، كما في سورة هود الآية 68: (ألا بعداً لثمود) وفي آية أُخرى (89) هود (الا بعداً لمدين كما بعدت ثمود) وفي سورة المؤمنون، الآية (41) (فبعداً للقوم الظالمين) وفي آية أُخرى (44) المؤمنون (فبعداً لقوم لا يؤمنون) وكما قرأنا في قصّة نوح من قبل في هود الآية (44) (وقيل بعداً للقوم الظالمين). ففي جميع هذه الآيات جاء اللعن شعاراً لمن أذنبوا ذنباً عظيماً، ويدور هذا اللعن مدار بعدهم عن رحمة الله. وغالباً ما يطلق اليوم مثل هذا الشعار على المستعمرين والمستكبرين والظالمين، غاية ما في الأمر أن هذا الشعار القرآني آخّاذ وطريف إلى درجة أنّه غير ناظر إلى بعد واحد فحسب. لأنّنا حين نقول مثلاً: (بعداً للقوم الظالمين) فإنّ هذا التعبير يشمل الإبتعاد عن رحمة الله، والإبتعاد عن السعادة، وعن كل خير وبركة ونعمة، وعن كونهم عباداً لله، طبعاً ابتعادهم عن الخير والسعادة هو انعكاس لإبتعادهم في نفوسهم وأرواحهم ومحيط عملهم عن الله وخلق الله، لأنّ كل فكرة وعمل له أثر في الدار الآخرة يشابه ذلك العمل تماماً ولذلك فإنّ ابتعادهم هذا في هذه الدنيا أساس ابتعادهم في الآخرة عن رحمة الله وعفوه ومواهبه السنيّة (4). ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي أبعدوا عن رحمة الله في الدارين ﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ﴾ أي به أو جحدوه ﴿أَلاَ بُعْدًا﴾ من رحمة الله أو هلاكا ﴿لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾.