وبعد هذا كلّه ومن أجل البرهان على صدق دعوته، وبيان المعاجز الإلهية التي دونها قدرة الإنسان جاءهم بالناقة التي هي آية من آيات الله وقال: (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) فاتركوها وذروها تأكل في أرض الله (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم).
ناقة صالح:
"النّاقة" في اللغة هي اُنثى الجمل، وهي الآية الآنفة في آيات أُخرى أُضيفت إلى لفظ الجلالة "الله" (1) وهذه الإضافة تدل على أنّ هذه الناقة لها خصائص معينة، ومع الإلتفات إلى ما عبّر عنها في الآية المتقدمة بأنّها "آية" وعلامة إلهية ودليل على الحقانيّة، يتّضح أنّها لم تكن ناقة عادية، بل كانت خارقة للعادة من جهة أو جهات متعددة!.
ولكن لم ترد في القرآن خصائص هذه الناقة بشكل مفصّل، غاية ما في الأمر أننا نعرف بأنّها لم تكن ناقة عادية كالنوق الأُخريات، والشيء الوحيد المذكور عنها في القرآن - وفي موردين فحسب - أن صالحاً أخبر قومه أن يتقاسموا ماءهم سهمين: سهم لهم وسهم للناقة، فلهم شرب يوم منه ولها شرب يوم آخر (قال هذه ناقة الله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) (2) كما جاء في سورة القمر أيضاً (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) (3).
وفي سورة الشمس إشارة مختصرة إليها أيضاً، حيث يقول سبحانه: (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) (4).
ولكن لم يتّضح كيف كان تقسيم الماء خارقاً للعادة ؟
هناك احتمالان:
الأوّل: إنّ الناقة كانت تشرب ماءً كثيراً بحيث تأتي على ماء "النبع" كله.
والثاني: إنّه حين كانت ترد الماء لا تجرؤ الحيوانات الأُخرى على الورود إلى الماء معها.
أمّا كيف كانت هذه الناقة تستفيد من جميع الماء؟
فيوجه هذا الإحتمال بأنّ ماء القرية كان قليلاً كماء القرى التي ليس فيها أكثر من عين ماء واحدة، وأهل القرية مجبورون على أن يدخروا الماء تمام اليوم في حفرة خاصّة ليجتمع الماء في العين مرّة أُخرى.
ولكن في جزء آخر من سورة الشعراء يتجلّى لنا أنّ ثمود لم يعيشوا في منطقة قليلة الماء، بل كانت لهم غابات وعيون ونخيل ومزارع حيث تقول الآيات: (أتتركون في ما ههنا آمنين، في جنات وعيون، وزروع ونخل طلعها هضيم). (5)
وعلى كل حال فإنّ القرآن ذكر قصّة ناقة صالح بشكل مجمل غير أنّنا نقرأ في روايات كثيرة عن مصادر الشيعة وأهل السنة أيضاً، أنّ هذه الناقة خرجت من قلب الجبل، ولها خصائص أُخرى ليس هنا مجال سردها.
وعلى كل حال.
﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ حال عاملها الإشارة ولكم حال منها ﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ﴾ عشبها وتشرب ماءها ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ عقرا وغيره ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ عاجل بعد ثلاثة أيام.