التّفسير
جانبٌ من حياة محطم الأصنام:
والآن جاء الدور للحديث عن جانب من حياة "إبراهيم (عليه السلام) " هذا البطل العظيم الذي حطم الأصنام، وما جرى له مع قومه.
طبعاً كل ذلك مذكور بتفصيل أكثر في سور أُخرى من القرآن غير هذه السورة، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والأنعام، والأنبياء، وغيرها.
وهنا تذكر الآيات قسماً من حياته المرتبطة بقصّة "قوم لوط" وعقاب هؤلاء الجماعة الملوّثين بالآثام والعصيان، فتقول في البداية: (ولقد جاءت رسلنا إِبراهيم بالبشرى.
وهؤلاء الرسل - كما سيتبيّن من خلال الآيات التالية - هم الملائكة الذين أُمروا بتدمير مدن قوم لوط، ولكنّهم قبل ذلك جاؤوا إلى إِبراهيم ليسلموه بلاغاً يتضمّن بشرى سارة.
أمّا عن ماهية هذه البشرى فهناك إحتمالان، ولا مانع من الجمع بينهما.
الإِحتمال الأوّل: البشرى بتولّد إِسماعيل وإِسحاق، لأنّ إِبراهيم (عليه السلام) لم يرزق ولداً بعد عمر طويل، في حين كان يتمنى أن يرزق ولداً أو أولاداً يحملون لواء النبوّة، فإبلاغهم له بتولد إِسماعيل وإسحاق بعد بشارة عظمى.
والإِحتمال الثّاني: إنّ إِبراهيم كان مستاءً ممّا وجده في قوم لوط من الفساد والعصيان، فحين أخبروه بأنّهم أُمروا بهلاكهم سُرَّ، وكان هذا الخبر بشرى له.
فحين جاءوا إِبراهيم (قالوا سلاماً) فأجابهم أيضاً و(قال سلام) ورحّب بهم (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ).
"العجل" في اللغة ولد البقر و"الحنيذ" معناه المشوي، واحتمل بعضهم أنّ ليس كل لحم مشوي يطلق عليه أنّه حنيذ، بل هو اللحم المشويّ على الصخور إلى جنب النّار دون أن تصيبه النّار، وهكذا ينضج شيئاً فشيئاً.
ويستفاد من هذه الجملة أنّ من آداب الضيافة أن يعجل للضيف بالطعام، خاصّة إِذا كان الضيف مسافراً، فإنّه غالباً ما يكون متعباً وجائعاً وبحاجة إلى طعام، فينبغي أن يقدم له الطعام عاجلا ليخلد إلى الراحة.
وربّما يقول بعض المنتقدين: أليس هذا العجل كثيراً على نفر معدود من الأضياف، ولكن مع ملاحظة أنّ القرآن لم يذكر عدد هؤلاء الأضياف أوّلا، وهناك أقوال في عددهم، فبعض يقول: كانوا ثلاثة، وبعض يقول: أربعة، وبعض يقول: كانوا تسعة، وبعض قال: أحد عشر، ويحتمل أن يكونوا أكثر من ذلك.
﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، عن الصادق (عليه السلام): رابعهم كروبيل ﴿إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ بالولد أو بهلاك قوم لوط ﴿قَالُواْ سَلاَمًا﴾ سلمنا عليك سلاما ﴿قَالَ سَلاَمٌ﴾ عليكم أو أمركم سلام حياهم بالأحسن لاسمية الجملة ﴿فَمَا لَبِثَ﴾ فما توقف في مجيئه ﴿أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ مشوي ظنهم أضيافا.