وفي هذه الحال كانت امرأته "سارة" واقفة هناك فضحكت كما تقول الآية (وامرأته قائمة فضحكت).
هذا الضحك من سارة يحتمل أن يكون لأنّها كانت مستاءةً من قوم لوط وفجائعهم، واطلاعها على قرب نزول العذاب عليهم كان سبباً لسرورها وضحكها.
وهناك احتمال آخر وهو أنّ الضحك كان نتيجة لتعجبها أو حتى لإِستيحاشها أيضاً، لأنّ الضحك لا يختص بالحوادث السارّة بل يضحك الإِنسان - أحياناً - من الإِستياء وشدة الإِستيحاش، ومن أمثال العرب في هذا الصدد "شر الشدائد ما يضحك".
أو أنّ الضحك كان لأنّ الأضياف لم يتناولوا الطعام ولم تصل أيديهم إِليه بالرغم من إِعداده وتهيأته لهم.
ويحتمل أيضاً أنّ ضحكها لسرورها بالبشارة بالولد.
وإِن كان ظاهر الآية ينفي هذا التّفسير، لأنّ البشرى بإسحاق كانت بعد ضحكها، إِلاّ أن يقال: إِنّهم بشروا إِبراهيم أوّلا بالولد، واحتملت سارة أن سيكون الولد منها فتعجبت، وأنّه هل يمكن لامرأة عجوز وفي هذه السن أن يكون لها ولد من زوجها؟ لذلك سألتهم بتعجب فأجابوها بالقول: نعم، وهذا الولد سيكون منك.
والتأمل في سورة الذاريات بهذا الشأن يؤكّد ذلك.
وينبغي الإِلتفات هنا إلى أنّ بعض المفسّرين يصرون على أنّ "ضحكت" مشتقة من "ضَحْك" بمعنى العادة النسائية وهي "الحيض" وقالوا: إنّ سارة بعد أن بلغت سنّ اليأس أتتها العادة في هذه اللحظة وحاضت، والعادة الشهرية تدل على إِمكان إِنجاب الولد، ولذلك فحين بشرت بإِسحاق أمكنها أن تصدّق ذلك تماماً... وهؤلاء المفسّرون استندوا في قولهم إلى لغة العرب، حيث قالوا في هذا الصدد: ضحكت الأرنب، أي حاضت.
ولكن هذا الإِحتمال مستبعد من جهات مختلفة:
أوّلا: لأنّه لم يسمع أنّ هذه "المادة" استعملت في الإِنسان بمعنى الحيض في اللغة العربية، ولهذا فإنّ الراغب حين يذكر هذا المعنى في مفرداته يقول بصراحة: إِنّ هذا ليس تفسير جملة فضحكت كما تصوّره بعض المفسّرين، بل معناها هو الضحك المألوف، ولكنّها حاضت وهي في حال الضحك أيضاً، ولذلك وقع الخلط بينهما.
﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ سارة ﴿قَآئِمَةٌ﴾ خلف الستر أو تخدمهم ﴿فَضَحِكَتْ﴾ فرحا بالأمن أو بهلاك قوم لوط وقيل أي حاضت ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ﴾ من بعده.