لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
آخر آية في هذا البحث تشير إلى النتيجة التي يتلقاها المؤمنون المتصفون بالصفات الخمس المذكورة، تقول: ﴿أُوْلئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وقد ضمن ربّ العالمين لهؤلاء هدايتهم وفلاحهم، وعبارة ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾إشارة إلى هذه الحقيقة. واستعمال حرف (على) في عبارة ﴿عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ﴾ يوحي بأن الهداية الإلهية مثل سفينة يركبها هؤلاء المتقون لتوصلهم إلى السعادة والفلاح، (لأن حرف (على) يوحي غالباً معنى الإستعلاء. واستعمال كلمة «هدى» في حالة نكرة يشير إلى عظمة الهداية التي شملهم الله بها. وتعبير ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ يفيد الإنحصار كما يذكر علماء البلاغة، أي إنّ الطريق الوحيد للفلاح هو طريق هؤلاء المفلحين! بحثان 1 - مواصلة طريق الإيمان والعمل: الآيات المذكورة استعملت الفعل المضارع الذي يشير عادة إلى الإِستمرار ﴿يَؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ - يُقِيمُونَ الصَّلاةَ - يُنْفِقُونَ - وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾. وهذا يعني أن المتقين والمؤمنين الحقيقيين هم الذين يواصلون مسيرتهم الحياتية بثبات واستمرار، دون تعثر أو تلكّؤ أو توقف. هؤلاء ينطلقون منذ البدء بروح البحث عن الحق، وهذا يؤدي بهم إلى تلبية دعوة القرآن، والقرآن بعد ذلك يوجد فيهم الخصائص الخمس المذكورة. 2 - ما هي حقيقة التقوى؟ التقوى من الوقاية، أي الحفظ والصيانة، وهي بعبارة اُخرى جهاز الكبح الداخلي الذي يصون الإنسان أمام طغيان الشهوات. لهذا السبب وصف أمير المؤمنين علي (عليه السلام) التقوى بأنها الحصن الذي يقي الإنسان أخطار الإنزلاق إذ قال: «اِعْلَمُوا عِبَادَ الله اَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِيز». وفي النصوص الدينية والأدبية تشبيهات كثيرة تجسّم حالة التقوى، فعن الامام علي (عليه السلام) قال: «أَلا وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وأُعْطُوا أزِمَّتَها، فَاَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ». وعبد الله بن المعتز شبّه التقوى بحالة رجل يسير على طريق شائكة، ويسعى إلى أن يضع قدمه على الأرض بتأنّ وحذر، كي لا تخزه الأشواك، أو تتعلق بثيابه، يقول: خَل الذُّنُوبَ صَغيرَهَا وَكَبيرَهَا فَهُوَ التُّقى وَاصْنَعْ كَمَاش فَوْقَ أرْ ضِ الشَّوْك يَحْذَرُ مَا يَرى لا تَحْقِرَنَّ صَغيرَة اِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصى! هذا التشبيه يفيد أيضاً أن التقوى لا تعني العزلة والإنزواء عن المجتمع، بل تعني دخول المجتمع، وخوض غماره، مع الحذر من التلوّث بأدرانه إن كان المجتمع ملوثاً. بشكل عام، فانّ حالة التقوى والضبط المعنوي من أوضح آثار الإيمان بالله واليوم الآخر. ومعيار فضيلة الإنسان وافتخاره، ومقياس شخصيته في الإسلام، حتى أضحت الآية الكريمة: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ اَتْقَاكُمْ﴾ شعاراً إسلامياً خالداً. يقول الامام عليّ (عليه السلام) : «اِنَّ تَقْوى اللهِ مِفْتَاحٌ سَدَادٌ، وَذَخيرَةُ مَعَاد، وَعِتْقٌ من كُلِّ مَلَكَة، وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلكَة». جدير بالذكر أن التقوى ذات شعب وفروع، منها التقوى المالية والإقتصادية، والتقوى الجنسية والإجتماعية، والتقوى السياسية.... ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ من بيان وصواب وعلم بما أمرهم به ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يؤملون وتكرير أولئك يفيد اختصاصهم وتميزهم عن غيرهم بكل واحدة من المزيتين وأدخل العاطف لاختلاف الجملتين مفهوما قيل نبه تعالى على اختصاص المتقين بذكر اسم الإشارة المفيد للعلية مع الإيجاز وتكريره وتعريف المفلحين وضم الفصل إعلاما بفضلهم وحثا على لزوم نهجهم وإرادة الكامل من الهدى والفلاح توهن تمسك الوعيدية به في دوام عذاب الفاسق.