ثمّ ينبههم إلى مسألة أخلاقية، وهي أنّه كثيراً ما يحدث للإِنسان أنّه لا يعرف مصالحه وينسى مصيره، وذلك بسبب بغضه وعدائه بالنسبة لشخص آخر أو التعصب الأعمى واللجاجة في شيء ما، فيقول لهم (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي)فتبتلوا بما ابتلى به غيركم و(أن يصيبكم مثلُ ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح) وما حدث لقوم لوط من البلاء العظيم حيث أمطرهم الله بحجارة من سجيل منضود وقلب مدنهم فجعل عاليها سافلها (وما قوم لوط منكم ببعيد) فلا زمانهم بعيد عنكم كثيراً، ولا مكان حياتهم، كما أنّ أعمالكم وذنوبكم لا تقل عن أعمالهم وذنوبهم أيضاً.
و"مدين" التي كانت موطن شعيب لم تكن بعيدة عن موطن قوم لوط، لأنّ الموطنين كلاهما كانا من مناطق "الشامات" وإِذا كان بينهما فاصل زمني، فلم يكن الفاصل بالمقدار الذي يستدعي نسيان تأريخه، وأمّا من الناحية العملية فالفرق كبير بين الإِنحراف الجنسي الذي كان عليه قوم لوط والإِنحراف الإِقتصادي الذي كان عليه قوم شعيب، لكن كليهما يتشابهان في توليد الفساد في المجتمع والإِخلال بالنظام الإِجتماعي وإِماتة الفضائل الخُلقية وإِشاعة الإِنحراف، ومن هنا نجد في الرّوايات أحياناً مقارنة الدرهم الربوي المرتبط - بالطبع - بالمسائل الإِقتصادية بالزنا الذي هو تلوّث جنسي(2).
ثمّ يأمر شعيب قومه الضالين بشيئين هما في الواقع ما كان يؤكّد عليه جميع الأنبياء المتقدمين.
﴿وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ لا يكسبنكم خلافي ﴿أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ﴾ من الغرق ﴿أَوْ قَوْمَ هُودٍ﴾ من الريح ﴿أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾ من الرجفة ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ﴾ فاعتبروا بهم.