لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول روي أنّ معاذ بن جبل قال: يا رسول الله إنّ اليهود يُكثرون مسألتنا عن الأهلّة فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنَّ اليهود سألوا رسول الله: لِمَ خُلِقَتْ هذه الأهلّة؟ فنزلت هذه الآية، لتقول إنّ للأهلّة فوائد مادّية ومعنوية في نظام الحياة الإنسانية. التّفسير التقويم الطبيعي: كما اتّضح من سبب نزول هذه الآية الشريفة من أنّ جماعة سألوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عن الهلال وما يحصل عليه من تغييرات متدرّجة وعن أسبابها ونتائجها، فيجيب القرآن الكريم على سؤالهم بقوله (يَسْألونَكَ عَنِ الأهَلّةِ). (أهلّة) جمع "هلال" ويعني القمر في اللّيلة الاُولى والثانية من الشهر، وقال بعضهم أنّ التسمية تطلق عليه لثلاث ليالي من أوّل الشّهر وبعد ذلك يُسمّى (قمر)، وذهب بعضهم إلى أكثر من هذا المقدار. ويرى المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان وآخرون من المفسّرين أنّ مفردة "الهلال" هي في الأصل من (استهلال الصبي) ويعني بكاء الطفل من بداية تولّده، ثمّ استُعمل للقمر في بداية الشهر، وكذلك اسُتعمل أيضاً في قول الحجّاج في بداية مناسكهم: "لبيّك لبيّك". بصوت عال، فيقال (أهلّ القوم بالحج) ولكن يُستفاد من كلمات الرّاغب في المفردات عكس هذا المطلب وأنّ أصل هذه المفردة هو الهلال في بداية الشهر وقد استفيد منه (استهلال الصبي) أي بكائه عند ولادته. وعلى كلّ حال يُستفاد من جملة (يسألونك) الّتي هي فعل مضارع يدل على التكرار أنّ هذا السؤال قد تكرّر مرّات عديدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثمّ تقول الآية (قل هي مواقيت للنّاس والحجّ). فما يحصل عليها من تغييرات منتظمة تدريجيّة، يجعل منها تقويماً طبيعياً يساعد الناس على تنظيم اُمورهم الحياتية القائمة على التوقيت وتحديد الزمن، وكذلك على تنظيم اُمور عباداتهم المحدّدة بزمان معيّن كالحجّ والصوم، والهلالهو المرجع في تعيين هذا الزمان، وبالإستهلال ينظّم الناس اُمور عبادتهموشؤون دنياهم. هذا التقويم الطبيعي ميسور لجميع البشر متعلّمهم وأمّيّهم، في جميع بقاع الأرض،وبموجبه يمكن تعيين أوّلالشهرووسطه وآخره،بل كلّ يوم من أيّامه بدقّة. وواضح أنّ نظام الحياة الإجتماعية يحتاج إلى تقويم، أيْ إلى وسيلة تعيّن التاريخ الدقيق، ومن هنا وضع الله سبحانه هذا التقويم الطبيعي للناس في كلِّ زمان ومكان. من امتيازات قوانين الإسلام أنّ أحكامه قائمة عادةً على المقاييس الطبيعية لأنّ هذه المقاييس متوفّرة لدى جميع الناس، ولا يؤثّر عليها مرور الزمان شيئاً. أمّا المقاييس غير الطبيعية فليست في متناول يد الجميع ولم يستطع جميع البشر حتّى في زماننا هذا أن يستفيدوا من مقاييس عالمية موحّدة. لذلك نرى أنّ المقياس في الأحكام الإسلامية يقوم في الأطوال على أساس الشبر والخطوة والذراع والقامة، وفي الزمان على غروب الشمس وطلوع الفجر وزوال الشمس ورؤية الهلال. وهنا يتّضح امتياز الأشهر القمريّة عن الشمسيّة، فالبرغم من أنّ كلاً منهما يترتّب على حركات الكواكب السماويّة، ولكنّ الأشهر القمريّة قابلة للمشاهدة من الجميع، في حين أنّ الأشهر الشمسيّة لايمكن تشخيصها إلاّ بواسطة المنجميّن وبالوسائل الخاصّة لديهم، فيعرفون مثلاً أنّ الشمس في هذا الشهر سوف تقع في مقابل أيّ صورة فلكيّة وأيّ برج سماوي. وَ هنا يُطرح هذا السؤال: هل أنّ الأشخاص الّذين سألوا عن الأهلّة كان هدفهم هو الإستفسار عن فائدة هذه التغيّرات، أو السؤال عن كيفيّة ظهور الهلال وتكامله إلى مرحلة البدر الكامل؟ ذهب بعض المفسّرين إلى الإحتمال الأوّل، والبعض الآخر ذهب إلى الثاني وأضاف: بما أنّ السؤال عن الأسباب وعلل التغييرات ليست ذات فائدة لهم ولعلّ فهم الجواب أيضاً سيكون عسيراً على أذهانهم، فلهذا بيّن القرآن النتائج المترتبّة على تغييرات الهلال لكي يتعلّم الناس أن يتوجّهوا دوماً صوب النتائج. ثمّ أنّ القرآن أشار في ذيل هذه الآية وبمناسبة الحديث عن الحجّ وتعيين موسمه بواسطة الهلال الّذي ورد في أوّل الآيه إلى إحدى عادات الجاهليّين الخرافيّة في مورد الحجّ ونهت الآية الناس عن ذلك، حيث تقول: (وَلَيسَ البرُّ بأنْ تُؤْتوا البُيوتَ مِنْ ظُهورها ولكنَّ البِرَّ مَنِ اتّقى وأتوا البُيوتَ مِن أبْوابِها واتّقُوا الله لَعلّكُمْ تُفْلِحوُن). ذهب كثير من المفسّرين إلى أن الناس في زمن الجاهليّة كانوا يمتنعون لدى لبسهم ثياب الإحرام من الدخول في بيوتهم من أبوابها ويعتقدون بحرمة هذا العمل، ولهذا السبب فإنّهم كانوا يفتحون كُوّه وثقب خلف البيوت لكي يدخلوا بيوتهم منها عند إحرامهم، وكانوا يعتقدون أنّ هذا العمل صحيح وجيّد، لأنّه بمعنى ترك العادة(1) والإحرام يعني مجموعة من تروك العادات فيكتمل كذلك بترك هذه العادة. ويرى بعضهم أنّ هذا العمل كان بسبب أنّهم لا يستظلّون بسقف في حال الإحرام، ولذلك فإنّ المرور من خلال ثقب الحائط بالقياس مع دخول الدار من الباب يكون أفضل، ولكنّ القرآن يصرّح لهم أنّ الخير والبر في التقوى لا في العادات والرّسوم الخرافيّة، ويأمر بعد ذلك فوراً بأن يدخلوا بيوتهم من أبوابها. وهذه الآية لها معنىً أوسع وأشمل، وذلك أنّ الإنسان لابدّ له عندما يقدم على أيّ عمل من الأعمال سواء كان دينياً أو دنيوياً لابدّ له من أن يرده من طريق الصحيح لا من الطرق المنحرفة، كما ورد هذا المعنى في رواية جابر عندما سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك(2). وهكذا يكون بامكاننا العثور على ارتباط جديد بين بداية الآية ونهايتها، وذلك أنّ كلّ عمل لابدّ أن يرده الإنسان من الطريق الصحيح، فالعبادة في الحجّ أيضاً لابدّ أن يبتدأ الإنسان بها في الوقت المقرّر وتعيينه بواسطة الهلال. التفسير الثالث المذكور لهذه الآية هو أنّ الإنسان عندما يبحث عن الخيرات والبر لابدّ أن يتوجّه صوب أهله ولا يطلبه من غير أهله، ولكنّ هذا التفسير يمكن إدراجه في التفسير الثاني حيث ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)عن الإمام الباقر(عليه السلام) (آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة)(3). هذا الحديث قد يشير إلى أحد مصاديق المفهوم الكلّي للآية لأنّه يقول أنّ عليكم أن تردوا في جميع اُموركم الدينيّة عن الطريق الصحيح لها، يعني أهل بيت النبوّة الّذين هم طبقاً لحديث الثقلين قرين القرآن، ولذلك يمكنكم أن تأخذوا معارفكم الدينيّة منهم، لأنّ الوحي الإلهي نزل في بيوتهم، فهم أهل بيت الوحي وصنائع القرآن وثمار تربيته. جملة (ليس البرّ) يمكنها أن تكون إشارة إلى نكتة لطيفة اُخرى أيضاً، وهي أنّ سؤالكم عن الأهلّة بدل سؤالكم عن المعارف الدينيّة بمثابة مَن يترك الدخول إلى داره من الباب الأصلي ثمّ يرده من ظهر البيت فهو عمل مستقبح ومستهجن. ضمناً يجب الإلتفات إلى هذه النكتة في قوله تعالى (لكنّ البرّ من اتّقى)أنّ وجود المتقّين بمثابة الينابيع المستفيضة بالخيرات، بحيث أنّهم قد يطلق عليهم كلمة (البر) نفسه(4). بحوث 1- أسئلة مختلفة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وردت في 15 مورد من الآيات القرآنية جملة (يسألونك) وهذه علامة على أنّ الناس يسألون من رسول الله (ص) مسائل مختلفة كراراً ومراراً، والملفت للنظر أنّ رسول الله (ص) مضافاً إلى أنّه لا ينزعج من هذه الأسئلة، فإنّه يستقبلهم بصدر رحب، ويجيب على أسئلتهم من خلال الآيات القرآنية. وأساساً فإنّ السؤال هو أحد حقوق الناس في مقابل القادة، وهذا الحقّ مشروع حتّى للأعداء أيضاً، فبإمكانهم طرح اسئلتهم بشكل معقول. فالسؤال مفتاح حل المشكلات. والسؤال بوّابة العلوم. والسؤال وسيلة انتقال المعارف المختلفة. وأساساً فإنّ طرح الأسئلة المختلفة في كلّ مجتمع علامة على التحرك الفكري والحضاري والثقافي للنّاس، ووجود كلّ هذه الأسئلة في عصر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)هو علامة على تحرّك أفكار الناس في ذلك المحيط ضمن تعليمات القرآن الكريم والدين الإسلامي. فمن هنا يتّضح أنّ الأشخاص الّذين يعارضون طرح الأسئلة المنطقيّة في المجتمع يخالفون بذلك روح تعاليم الإسلام، وعملهم هذا مخالف لروح تعاليم الإسلام. 2- التقويم ونظام الحياة أنّ الحياة الفرديّة والإجتماعية لايمكن لها أن تقوم من دون نظم صحيح، نظم في التخطيط، ونظم في المديريّة والإجراء، فمن خلال نظرة سريعة إلى عالم الخلق من المنظومات الشمسيّة في السماء إلى بدن الإنسان وبناء هيكله وأعضائه المختلفة ندرك جيداً هذا الأصل الشامل والحاكم على جميع المخلوقات. وعلى هذا الأساس جعل الله سبحانه وتعالى هذا النظم تحت اختيار الإنسان وقرّر أن تكون الحركات المنظّمة للكرة الأرضيّة حول نفسها وحول الشمس وكذلك دوران القمر حول الأرض بانتظام وسيلة لتنظيم حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة وترتيبها وفق برنامج معيّن. ولنفترض أنّ هذا النظم في الكون لم يكن موجوداً ولم يكن لدينا مقياس معيّن لقياس الزّمان، فماذا سيحصل من اضطراب في حياتنا اليوميّة؟! ولهذا فإنّ الله تعالى ذكر هذا النظم الزماني في الأجرام السماويّة بعنوان أحد المواهب المهمّة الإلهيّة للإنسان، ففي سورة يونس في الآية الخامسة يقول (هُو الّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ القَمرَ نوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَموُا عَدَدَ السّنينَ والحِساب ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إلاّ بِالحَقّ يُفصّلُ الآياتِ لِقوم يَعْلَمونَ). ومثل ذلك ما ورد في سورة الإسراء الآية (12) حول النظام الحاكم على اللّيل والنهار(5). ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ﴾ ما الحكمة في اختلاف حالها وزيادتها ونقصانها ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ معالم لهم يوقتون بها معاملاتهم وعدد نسائهم وصومهم وفطرهم ومعالم للحج ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾ من ظهورها كان الرجل إذا أحرم نقب في مؤخر بيته نقبا منه يدخل ويخرج وروي معناه أن تأتوا الأمور من غير وجوهها ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ ما حرم الله ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ ائتوا الأمور من وجوهها وعنهم (عليهم السلام) هي بيوت العلم ونحن أبوابها ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكي تظفروا بالهدى.