لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبعد ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة ورمز نجاحهم ونصرهم، وبعد تسلية قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقوية إِرادته، يبيّن القرآن - عن هذا الطريق - أهمّ دُستور أُمر به النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو (استقم كما أُمرت). "استقم" في طريق الإِرشاد والتبليغ... استقم في طريق المواجهة والمواصلة... استقم في أداء الوظائف الإِلهية ونشر التعليمات القرآنية. ولكن هذه الإِستقامة ليست لينال فلانٌ أو فلان مستقبلا زاهراً، وليست للرياء وما شابه ذلك، وليست لإِكتساب عنوان البطولة، ولا اكتساب "المقام" أو "الثروة" أو "الموفقية" أو "القدرة"، بل هي لمجرّد طاعة الله واتباع أمره (كما أُمرت). كما أنّ هذه الإِستقامه ليست عليك وحدك، فعليك أن تستقيم أنت (ومن تاب معك) استقامة خاليةً من كل زيادة ونقصان وإِفراط أو تفريط (ولا تطغوا)إِذ (إِنّه بما تعملون بصير) ولا تخفى عليه حركة ولا قول ولا أي خطّة أُخرى... الخ. المسؤولية الكبيرة!! نقرأ في حديث معروف عن ابن عباس أنّه قال: ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية كانت أشدّ عليه ولا أشقّ من هذه الآية. ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إِليك الشيب يا رسول الله قال: (صلى الله عليه وآله وسلم) "شيبتني هود والواقعة"(3). ونقرأ في رواية أُخرى أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حين نزلت هذه الآية: "شمّروا شمّرُوا... فما رُئي ضاحكاً..."(4). والدليل واضح، لانّ أربعة أوامر مهمّة موجودة في هذه الآية يلقي كل واحد منها عبئاً ثقيلا على الكتف. وأهمها الأمر بالإِستقامة... الإِستقامة (المشتقة من مادة القيام" من جهة أنّ الإِنسان يكون تسلطه وسعيه في عمله حال القيام أكثر... الإِستقامة التي معناها طلب القيام، أي أوجِدْ حالةً في نفسك بحيث لا تجد طريقاً للضعف فيك، فما أصعَبه من أمر وما أشدّه؟! غالباً ما يكون النجاح في العمل أمراً هيّناً نسبياً... لكن المحافظة على النجاح فيها كثير من الصعوبة... وفي أي مجتمع؟! في مجتمع متأخر متخلف... في مجتمع بعيد عن العلم والتعقل... في مجتمع لجوج وبين أعداء كثيرين معاندين... وفي سبيل بناء مجتمع سالم وحضارة انسانية زاهرة فالإِستقامة في هذا الطريق ليس أمراً هيّناً. والأمر الآخر: أن تحملَ هذه الإِستقامةُ هدفاً إِلـهياً فحسب، وأن تكون الوساوس الشيطانية بعيدة عنها تماماً، أي أن تكتسب هذه الاستقامة أكبر القدرات السياسية والإِجتماعيّة من أجل الله. والأمر الثّالث: مسألة قيادة أُولئك الذين رجعوا إلى طريق الحق وتعويدهم على الإِستقامة أيضاً. والأمر الرّابع: المواجهة والمبارزة في مسير الحق والعدالة والقيادة الصحيحة وصدّ كل أنواع التجاوز والطغيان، فكثيراً ما يبدي بعض الناس منتهى الإِستقامة في سبيل الوصول للهدف، لكن لا يستطيعون أن يراعوا مسألة العدالة، وغالباً ما يبتلون بالطغيان والتجاوز عن الحدّ. أجل... مجموع هذه الأُمور وتواليها على النّبي حمّلته مسؤولية كبرى، حتى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما رُئي ضاحكاً... وشيّبته هذه الآية من الهمّ. وعلى كل حال فإنّ هذا الأمر لم يكن للماضي فحسب، بل هو للماضي والحاضر والمستقبل، وهو للأمس واليوم والغد القريب والغد البعيد أيضاً. واليوم مسؤوليتنا المهمّة - نحن المسلمين أيضاً، وبالخصوص قادة الإِسلام - تتلخّص في هذه الكلمات الأربعة. وهي: الإِستقامة، والإِخلاص، وقيادة المؤمنين، وعدم الطغيان والتجاوز. ودون ربط هذه الأُمور بعضها إلى بعض فإنّ النصر على الأعداء الذين أحاطونا من كل جانب من الداخل والخارج، واستفادوا من جميع الأساليب الثقافية والسياسية والإِقتصادية والإِجتماعية والعسكريّة... هذا النصر لايكون سوى أوهام في مخيلة المسلمين. ﴿فَاسْتَقِمْ﴾ على الدين والعمل به والدعاء إليه ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾ في القرآن ﴿وَمَن تَابَ﴾ من الشرك وآمن ﴿مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ﴾ تتعدوا حدود الله ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم به.