لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الصلاة والصبر: هذه الآيات تشير إلى أمرين من أهمّ الأوامر الإِسلامية، وهما في الواقع روح الإِيمان وقاعدة الإِسلام، فيأتي الأمر أوّلا بالصلاة (وأقم الصّلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل). وظاهر التعبير من (طرفي النهار) هو بيان صلاة الصبح وصلاة المغرب اللتين يقعان طرفي النهار، و"الزُلف" جمع "زلفة" التي تعني القرب، ويشار بها إلى أوّل الليل القريب من النهار فتنطبق على صلاة العشاء. وهذا التّفسير وارد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً، أي إِنّ الآية تشير إلى الصلوات الثلاث "الصبح والمغرب والعشاء". ويرد هنا سؤال وهو: لِمَ ذكرت هذه الصلوات الثلاث من بين الصلوات الخمس؟! غموض الإِجابة دعا بعض المفسّرين لانّ يتوسع في معنى (طرفي النهار)ليشمل صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب أيضاً. وبالتعبير بـ(وزُلفاً من الليل)الذي يشير إلى صلاة العشاء تكون جميع الصلوات الخمس قد دخلت في الآية! والإِنصاف أن تعبير (طرفي النهار) لا يتحمل مثل هذا التّفسير، مع ملاحظة أنّ المسلمين في الصدر الأوّل من الإِسلام كانوا مقيدين بأداء صلاة الظهر في أوّل الوقت وأداء صلاة العصر في حدود نصف الوقت، أي بين وقت الظهر ووقت المغرب. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقال هنا: أنّ آيات القرآن قد تذكر جميع الصلوات الخمس أحياناً كما في سورة الإِسراء: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر)(1). وقد تذكر ثلاث صلوات - كالآية محل البحث - وقد تذكر صلاة واحدة كما في سورة البقرة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)(2). فعلى هذا لا يستلزم ذكر جميع الصلوات الخمس في كل مورد، وقد توجب المناسبات الإِشارة إلى صلاة الظهر "الصلاة الوسطى" لأهميتها أو تشير إلى صلاة الصبح أو المغرب والعشاء وذلك لإِحتمال أن تقع في دائرة النسيان للتعب أو النوم. ولأهمية الصلوات اليوميّة - خاصّة - وجميع العبادات والطاعات والحسنات - عموماً - فإنّ القرآن يشير بهذا التعبير (إِن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين). والآية آنفة الذكر كسائر آيات القرآن تبيّن تأثير الأعمال الصالحة في محو أثر الأعمال السيئة، حيث نقرأ في سورة النساء الآية (31): (إِن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم) ونقرأ في سوره العنكبوت الآية (7 رقم): (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفّرنّ عنهم سيئاتهم). وبهذا تثبت مقولة إِبطال السيئات بالطاعات والأعمال الحسنة. ومن الناحية النفسية - أيضاً - لا ريب في أن الذنب والعمل السيء يوجد نوعاً من الظلمة في روح الإِنسان ونفسه، بحيث لو استمرّ على السيئات تتراكم عليه الآثار فتمسخ الإِنسان بصورة موحشة. ولكن العمل الصالح الصادر من الهدف الإِلهي يهب روح الإِنسان لطافةً بامكانها أن تغسل آثار الذنوب وأن تبدّلَ ظلمات نفسه إلى أنوار. وبما أنّ الجملة الآنفة (إِنّ الحسنات يذهبن السيئات) ذكرت بعد الأمر بإقامة الصلاة مباشرة، فإنّ واحدة من مصاديقها هي الصلاة اليومية، وإِذا ما لاحظنا في الرّوايات إِشارة إلى الصلاة اليومية في التّفسير فحسب فليس ذلك دليلا على الإِنحصار، بل - كما قلنا مراراً - إِنّما هو بيان مصداق واضح قطعي. الأهميّة القصوى للصلاة: تلاحظ في الرّوايات المتعددة المنقولة عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) تعبيرات تكشف عن الأهمية الكبرى للصلاة في نظر الإِسلام. يقول أبو عثمان: كنت جالساً مع سلمان الفارسي تحت شجرة فأخذ غصناً يابساً وهزّه حتى تساقطت أوراقه جميعاً، ثمّ التفت إِليّ وقال: ما سألتني لم فعلت ذلك؟! فقلتُ: وما تريد؟! قال: هذا ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين كنت جالساً معه تحت شجرة ثمّ سألني النّبي هذا السؤال وقال: "ما سألتني لِمَ فعلت ذلك؟". فقلت له: ولمَ يا رسولَ الله؟ فقال: "إِنّ المسلم إِذا توضأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى الصلوات الخمس تحاتّت خطاياه كما تحاتّ هذا الورق" ثمّ قرأ الآية "وأقم الصلاة... الخ".(3) ونقرأ في حديث آخر عن أحد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واسمه أبو أمامة أنّه قال: "كنت جالساً يوماً في المسجد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاءه رجل وقال: يا رسول الله، أذنبت ذنباً يستوجب الحدّ فأقم عليَّ الحدّ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "أصليت معنا؟" قال: نعم يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "فإن الله غفر ذنبك"... أو "أسقط عنك الحد"(4). كما نقل عن علي (عليه السلام) أنه قال: "كنّا مع رسول الله ننتظر الصلاة فقام رجل وقال: يا رسول الله، أذنبت. فأعرض النّبي بوجهه عنه، فلما إنتهت الصلاة قام ذلك الرجل وأعاد كلامه ثانيةً، فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ألم تصلّ معنا وأحسنت لها الوضوء؟ فقال بلى، فقال: هذه كفارة ذنبك"(5). ونقل عن علي (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إِنّما منزلة الصلوات الخمس لأُمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرات، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأُمتي"(6). وعلى كل حال، لا مجال للشكّ في أنّه متى ما أدّيت الصلاة بشرائطها فإنّها تنقل الإِنسان إلى عالم من المعنويّة والروحانيّة بحيث توثق علائقه الإِيمانية بالله، وتغسل عن قلبه وروحه الأدران وآثار الذنوب. الصلاة تجير الإِنسان من الذنب، تجلو صدأ القلوب. الصلاة تجذّر الملكات السامية للإِنسان في أعماق الروح البشرية، والصلاة تقوي الإِرادة وتطهر القلب والروح، وبهذا الترتيب فإن الصلاة الواعية الفاعلة هي مذهب تربوي عظيم. أرجى آية في القرآن: ينقل في تفسير الآية - محل البحث - حديث طريف عن الإِمام علي (عليه السلام) بهذا المضمون، وهو أنّه التفت مرّة إلى الناس وقال: "أي آية في كتاب الله أرجى عندكم"؟! فقال بعضهم: (إِنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). فقال (عليه السلام): حسنة ليست إِيّاها. فقال آخرون: هي آية (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله). فقال (عليه السلام): حسنة ليست إيّاها. فقالوا: هي آية (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً). قال (عليه السلام): حسنة ليست إيّاها. فقال آخرون: هي آية: (والذين إِذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إِلا الله) فقال الإِمام أيضاً: "حسنة ليست إيّاها". ثمّ أجم الناس، فقال: مالكم يا معشر المسلمين، فقالوا: والله ما عندنا شيء قال (عليه السلام): "سمعت حبيبي رسول الله يقول: أرجى آية في كتاب الله (وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفا من الليل إِنّ الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)(7). وبالطبع كما ذكرنا في شرح الآية (48) من سورة النساء: إِنه ورد حديث آخر يشير إلى أن أرجى آية في القرآن هي آية (إِنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). ولكن مع ملاحظة أنّ كل آية من هذه الآيات تنظر إلى زاوية من هذا البحث وتبيّن بُعداً من الأبعاد، فلا تضادّ بينها. وفي الواقع إِنّ الآية محل البحث تتحدّث عن أُولئك الذين يؤدّون الصلاة بصورة صحيحة، صلاة مع حضور القلب والروح، بحيث تغسل آثار الذنوب عن قلوبهم وأرواحهم. أمّا الآية الأُخرى تتحدّث عن أُولئك الذين حُرموا من هذه الصلاة، فبامكانهم من باب التوبة، فإذن هذه الآية لهؤلاء الجماعة أرجى آية، وتلك الآية لأُولئك الجماعة أرجى آية. وأيّ رجاء أعظم من أن يعلم الإِنسان أنّه متى زلت قدمه وغلب عليه هواه (دونَ أن يصرّ على الذنب) وحين يحل وقت الصلاة فيتوضأ ويقف أمام معبوده للصلاة، فيحسّ بالخجل عند التوجه إلى الله لما قدمه من أعمال سيئة ويرفع يديه بالدعاء وطلب العفو فيغفر وتزول عن قلبه الظلمة وسوادها. ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ أي صلاة الصبح وعشية أي المغرب أو العصر أو الظهرين إذ ما بعد الزوال عشاء ﴿وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ ساعات منه قريبة من النهار أي صلاة العشاء أو العشاءين ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾.