ثمّ تخاطب الآيات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يواجه أعداءه الذين يؤذونه ويظهرون اللجاجة والعناد إِن واصل الطريق (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إِنّا عاملون وانتظروا إِنّا منتظرون).
فستعلمون من الذي سينتصر، انتظروا هزيمتنا كما تزعمون انتظاراً غير مُجد، ونحن ننتظر العذاب من الله عليكم، وهو ما ستذقونه من قِبَلنا أو من قِبَل الله مباشرةً.
وهذه التهديدات التي تذكر بصيغة الأمر تلاحظ في أماكن أُخرى من القرآن كقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم إِنّه بما تعملون بصير)(2).
ونقرأ في شأن الشيطان أيضاً (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأَجلب عليهم بخيلك ورجلك)(3).
وبديهي أنّه لا يراد بأيّة صيغة من صيغ الأمر هنا طلب الفعل، بل جميعها جاءت للتهديد والتنديد.
وآخر الآيات من هذه السورة تتحدث عن التوحيد "التوحيد المعرفي والتوحيد الأفعالي، وتوحيد العبادة" كما تحدثت الآيات الأُولى من هذه السورة عن التوحيد أيضاً.
هذه الآية - في الحقيقة - تشير إلى ثلاث شعب من التوحيد، توحيد علم الله أوّلا، فغيب السّماوات والأرض خاص بالله وهو المطّلع عليها جميعاً (ولله غيب السّماوات والأرض).
أمّا سواه فعلمه محدود، وفي الوقت ذاته فإنّ هذا العلم ناشيء من التعليم الإِلهي، فعلى هذا فإنّ العلم غير المحدود، والعلم الذاتي بالنسبة لجميع ما في السموات والأرض مخصوص بذات الله المقدسة.
ومن جهة ثانية فإنّ أزمّة جميع الأفعال مرهونة بقدرته (وإليه يرجع الأمر كله)... وهذه مرحلة توحيد الأفعال.
﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ حالتكم ﴿إِنَّا عَامِلُونَ﴾ على حالتنا.