لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
تشيرالآية إلى هدف الجهاد في الإسلام وتقول: (وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله). ثمّ تضيف: فإن ترك هؤلاء المشركون عقائدهم الباطلة وأعمالهم الفاسدة فلا تتعرّضوا لهم (فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين). وحسب الظاهر ذُكر في هذه الآية ثلاثة أهداف للجهاد وهي: 1- إزالة الفتنة. 2- محو الشرك وعبادة الأوثان. 3- التصدّي للظلم والعدوان. ويُحتمل أن يكون المراد من الفتنة هو الشرك أيضاً وعلى هذا يكون الهدف الأوّل والثاني واحداً، وهناك أيضاً احتمال آخر وهو أنّ المراد من الظلم هنا هو الشرك أيضاً كما ورد في الآية (16) من سورة لقمان (إنَّ الشركَ لظُلمٌ عظيم). وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الأهداف الثلاثة تعود إلى هدف واحد وهو التصدي للشرك وعبادة الأوثان والّذي يمثّل المصدر الأساس لكلّ أنواع الفتن والمظالم والعدوان. وذهب البعض إلى أنّ الظلم في هذه الآية بمعنى الإبتداء بالحرب أو القتال في الحرم الإلهي الآمن، ولكنّ الإحتمال الأوّل وهو أنّ المراد من الآية هو الأهداف الثلاثة المتقدّمة أقوى، فصحيح أنّ الشرك هو أحد مصاديق الفتنة، ولكنّ الفتنة لها مفهوم أوسع من الشرك، وصحيح أيضاً أنّ الشرك أحد مصاديق الظلم، ولكنّ الظلم له مفهوم أوسع أيضاً، فعندما نرى تفسيره بالشرك أحياناً فهو لبيان المصداق. وعلى هذا الأساس لا يكون الجهاد في الإسلام لغرض التسلّط على البلدان والفتوحات، وليس لغرض تحصيل الغنائم، ولا بهدف تملّك الأسواق للتّجارة أو السيطرة على ثروات ومعادن البلدان الاُخرى، أو من أجل غلبة العنصر القومي على آخر. فالهدف هو أحد الثلاثة المتقدّمة: إزالة الفتن والفوضى الّتي تؤدّي إلى سلب حريّة الناس وأمنهم، وكذلك محو آثار الشرك وعبادة الأوثان، وأيضاً التصدّي للظّالمين والمعتدين والدفاع عن المظلومين. بحوث 1- مسألة الجهاد في الإسلام نلاحظ في الكثير من المذاهب الوضعيّة المنحرفة أنّه لا وجود للجهاد لديهم إطلاقاً، فكلّ ما فيه يدور حول محور النصائح والمواعظ الأخلاقية، حتّى أنّ البعض عندما يسمع بوجود مقالة الجهاد واستعمال القوّة كأحد الأركان المهمّة في التعاليم الإسلاميّة يتعجّب كثيراً على إقتران الدين بالحرب. ولكن مع ملاحظة أنّ الحكّام الطواغيت والفراعنة وأمثالهم من النمروديّين والقارونييّن الّذين يعترضون دائماً على دعوة الأنبياء الإصلاحيّة ويقفون بوجهها ولا يرضون إلاّ بإزالة الدين الإلهي من الوجود يتّضح أنّ على المؤمنين والمتديّنين في الوقت الّذي يعتمدون على العقل والمنطق والأخلاق في تفاعلهم الإجتماعي مع الآخرين عليهم أن يتصدّوا لهؤلاء الظالمين والطّواغيت ويشقّوا طريقهم بالجهاد وتحطيم هذه الموانع والعوائق الّتي يقيمها حكّام الجور في طريقهم. وأساساً فإنّ الجهاد هو من علامات الحياة لكلّ موجود ويمثّل قانوناً عامّاً في عالم الأحياء، فجميع الكائنات الحيّة أعم من الإنسان والحيوان والنبات تجاهد عوامل الفناء من أجل بقائها، وسيأتي مزيد من التوضيح في هذا المجال في سورة النساء ذيل الآية 95 و 96. وعلى كلّ حال فإنّ من افتخاراتنا نحن المسلمين أنّ ديننا يقرن المسائل الدينيّة بالحكومة ويعتمد على الجهاد كأحد أركان المنظومة العقائديّة لهذا الدين، غاية الأمر يجب ملاحظة أهداف هذا الجهاد الإسلامي، وهذا هو الّذي يفصل بيننا وبين الآخرين. 2- أهداف الجهاد في الإسلام يصرّ البعض من المتغرّبين أنّ الجهاد الإسلامي منحصر في الجهاد الدفاعي ويحاولون توجيه جميع غزوات النبي الأكرم (ص) أو الحروب الّتي حدثت بعده في هذه الدائرة، في حين أنّه لا يوجد دليل على هذه المسألة، ولم تكن جميع غزوات رسول الله (ص) دفاعيّة، فمن الأفضل العودة إلى القرآن الكريم بدل هذه الإستنباطات الخاطئة لإستجلاء أهداف الجهاد من القرآن الكريم، تلك الأهداف المنطقيّة القابلة للعرض على الصّديق والعدو. وكما تقدّم في الآيات أعلاه أنّ الجهاد في الإسلام يتعقّب عدّة أهداف مباحة: الف- الجهاد من أجل إطفاء الفتن وبعبارة اُخرى الجهاد الإبتدائي من أجل التحرير، فنحن نعلم أنّ الله عزّوجلّ قد أنزل على البشريّة شرائع وبرامج لسعادة البشر وتحريرهم وتكاملهم وإيصالهم إلى السعادة والرفاه، وأوجب على الأنبياء (عليهم السلام) أن يبلّغوا هذه الشرائع والإرشادات إلى الناس، فلو تصوّر أحد الأفراد أو طائفة من الناس أنّ إبلاغ هذه الشرائع للناس سوف يعيقه عن نيل منافعه الشخصيّة وسعى لإيجاد الموانع ووضع العصي في عجلات الدعوة الإلهيّة، فللأنبياء الحقّ في إزالة هذه الموانع بطريقة المسالمة أوّلاً وإلاّ فعليهم استخدام القوّة في إزالة هذه الموانع عن طريق الدّعوة لنيل الحريّة في التبليغ. وبعباره اُخرى: أنّ الناس في جميع المجتمعات البشريّة لهم الحقّ في أن يسمعوا مقالة منادي الحقّ وهم أحرار في قبول دعوة الأنبياء، فلو تصدّى فرد أو جماعة لسلب هذا الحقّ المشروع للناس وحرمانهم منه ومنعوا صوت الحقّ من الوصول إلى الناس ليحرّرهم من قيود الأسر والعبوديّة الفكريّة والإجتماعيّة، فلأتباع الدين الحقّ في الإستفادة من جميع الوسائل لتهيئة هذه الحريّة، ومن هنا كان (الجهاد الإبتدائي) في الإسلام وسائر الأديان السماويّة ضروريّاً. وكذلك إذا استخدم البعض القوّة والإرهاب في حمل جماعة من المؤمنين على ترك دينهم والعودة إلى الدين السابق لهم، فللمؤمنين الحقّ في الإستفادة من جميع الوسائل لرفع هذا الإكراه والإرهاب. ب- الجهاد الدفاعي هل من الصحيح أن يواجه الإنسان هجوماً وعدواناً عليه ولا يدافع عن نفسه؟ أو أن يقوم جيش معتدي بالهجوم على بعض الشعوب الاُخرى ولا تقوم تلك الشعوب بالدفاع عن نفسها وعن بلدها بل تقف موقف المتفرّج؟ هنا نجد أنّ جميع القوانين السماويّة والبشريّة تبيح للفرد أو الجماعة الدّفاع عن النفس والإستفادة ممّا وسعهم من قوّة في هذا السبيل، ويسمّى مثل هذا الجهاد بـ (الجهاد الدفاعي) ومن ذلك غزوة الأحزاب واُحد ومؤتة وتبوك وحنين ونظائرها من الحروب الإسلاميّة الّتي لها جنبة دفاعيّة. وفي هذا الزمان نجد أنّ الكثير من أعداء الإسلام يعتدون على المسلمين ويشعلون نيران الحروب للسّيطرة على البلاد الإسلاميّة ونهب ثرواتها، فكيف يُبيح الإسلام السكوت أمام هذا العدوان؟ ج- الجهاد لحماية المظلومين ونلاحظ فرعاً آخر من فروع الجهاد في الآيات القرآنية الكريمة، وهو الجهاد لحماية المظلومين، فتقرأ في الآية (75) من سورة النساء (وَ ما لكم لا تُقاتلوُنَ في سَبيلِ اللهِ وَ المُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرّجالِ والنّساء والوِلْدان الّذين يقولون ربَّنا أخْرِجْنا مِنْ هذه الْقَريَة الظّالمِ أهلها وأجْعَلْ لَّنا مِن لّدُنك وَليّاً وأجْعَلْ لّنا مِنْ لَدُنك نَصيراً). وعلى هذا الأساس فالقرآن يطلب من المسلمين الجهاد في سبيل الله وكذلك في سبيل المستضعفين المظلومين، وأساساً إنّ هاتين الغايتين متحدّتان، ومع الأخذ بنظر الإعتبار عدم وجود قيد أو شرط في الآية أعلاه نفهم من ذلك وجوب الدفاع عن جميع المظلومين والمستضعفين في كلّ نقطة من العالم القريبة منها أو البعيدة، وفي الداخل أو الخارج. وبعبارة اُخرى: أنّ حماية المظلومين في مقابل عدوان الظّالمين هو أصل في الإسلام يجب مراعاته، حتّى لو أدّى الأمر إلى الجهاد واستخدام القوّة، فالإسلام لا يرضى للمسلمين الوقوف متفرّجين على ما يرد على المظلومين في العالم، وهذا الأمر من الأوامر المهمّة في الشريعة الإسلاميّة المقدّسة الّتي تحكي عن حقانيّة هذا الدّين. د- الجهاد من أجل دحر الشرك وعبادة الأوثان الإسلام يدعوا البشريّة إلى اعتناق الدّين الخاتم الأكمل وهو يحترم مع ذلك حريّة العقيدة، وبذلك يُعطي أهل الكتاب الفرصة الكافية للتّفكير في أمر إعتناق الرّسالة الخاتمة، فإن لم يقبلوا بذلك فإنّه يعاملهم معاملة الأقليّة المعاهدة (أهل الذّمة) ويتعايش معهم تعايشاً سلميّاً ضمن شروط خاصّة بسيطة وميسورة، لكنّ الشرك والوثنيّة ليسا بدين ولا عقيدة ولا يستحقّان الإحترام، بل هما نوع من الخرافة والحمق والإنحراف ونوع من المرض الفكري والأخلاقي الّذي ينبغي أن يستأصل مهما كلّف الثمن. كلمة حريّة العقيدة واحترام أفكار الآخرين تصدق في مواقع يكون لهذه العقيدة والأفكار على أقلّ تقدير أساس من الصحّة، أما الإنحراف والخرافةوالضلال فليست بأشياء تستحق الإحترام، ولذلك يأمر الإسلام بضرورةإقتلاع جذور الوثنيّة من المجتمع ولو كلّف ذلك خوض الحرب، وضرورةهدم آثار الشرك والوثنيّة بالطرق السلميّة أوّلاً، فإن تعذّرت الطرقالسلميّة فبالقوّة. أجل فالإسلام يرى ضرورة تطهير الأرض من أدران الشرك والوثنيّة ويعدالمسلمين بمستقبل مشرق للبشريّة في العالم تحت ظل حكومة التوحيد وزوال كلّ أنواع الشرك والوثنيّة. وممّا تقدّم من ذكر أهداف الجهاد يتّضح أنّ الإسلام أقام الجهاد على اُسس منطقية وعقلية، فلم يجعله وسيلة للتّسلّط والسيطرة على البلدان الاُخرى وغصب حقوق الآخرين و تحميل العقيدة واستعمار واستثمار الشعوب الاُخرى، ولكنّنا نعلم أنّ أعداء الإسلام وخاصّة القائمون على الكنيسة والمستشرقين المغرضين سعوا كثيراً لتحريف الحقائق ضد مسألة الجهاد الإسلامي، واتّهموا الإسلام باستعمال الشدّة والقوّة والسيف من أجل تحميل الإيمان به وتهجمّوا كثيراً على هذا القانون الإسلامي. والظّاهر أنّ خوفهم وهلعهم إنّما هو من تقدّم الإسلام المضطرد في العالم بسبب معارفه السّاميّة وبرنامجه السّليم، ولهذا سعوا لإعطاء الإسلام صبغة موحشة كيما يتمكنّوا من الوقوف أمام انتشار الإسلام. 3- لماذا شرّع الجهاد في المدينة نعلم أنّ الجهاد وجب على المسلمين في السنّة الثانية بعد الهجرة، ولم يكن قد شُرّع قبلها، والسبب واضح فهو يعود من جهة إلى قلّة عدد المسلمين في مكّة بحيث يكون الأمر بالكفاح المسلّح في مثل هذه الحالة هو الإنتحار بعينه، ومن جهة اُخرى كان العدو في مكّة قويّاً جدّاً، فمكّة في الواقع كانت مركز القوى المعادية للإسلام، ولم يكن بالإمكان حمل السّلاح فيها. أمّا حين قدم النبي (ص) إلى المدينة إزداد عدد المؤمنين واتسع نطاق الدّعوة داخل المدينة وخارجها، وتأسّست الحكومة الإسلاميّة الصالحة، وتهيّأت وسائل الجهاد ضدّ العدو على صعيد العدّة والعدد، وبما أنّ المدينة المنوّرة كانت بعيدة عن مكّة استطاع المسلمون في حالة من الأمن والطمأنينة أن يبنوا وجودهم ويعدّوا أنفسهم لمواجهة العدو والدفاع عن رسالتهم. ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ شرك ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ﴾ الطاعة والعبادة ﴿لِلّهِ﴾ وحده ﴿فَإِنِ انتَهَواْ﴾ عن الشرك ﴿فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ فلا تعتدوا على المنتهين وسمي جزاء الظلم ظلما للمشاكلة كاعتدوا عليه.