لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: العشق الملتهب لم يأسر جمال يوسف الملكوتي عزيز مصر فحسب، بل أسر قلب امرأة العزيز كذلك وأصبح متيّماً بجماله!. وامتدّت مخالب العشق إلى أعماق قلبها، وبمرور الزمن كان هذا العشق يتجذّر يوماً بعد يوم ويزداد إشتعالا... لكنّ يوسف هذا الشابّ الطاهر التقي، لم يفكّر بغير الله، ولم يتعلّق قلبه بغير عشق الله سبحانه. وهناك اُمور أُخرى زادت من عشق امرأة العزيز ليوسف... فمن جهة لم تُرزق الولَد، ومن جهة أُخرى إنغمارها في حياة مترفة مفعمة بالبذخ... ومن جهة ثالثة عدم إبتلائها بأيّ نوع من البلاء كما هي حال المتنعّمين، وعدم الرقابة الشديدة على هذا القصر من قبل العزيز من جهة رابعة... كلّ ذلك ترك امرأة العزيز - الفارغة من الإيمان والتقوى - تهوي في وساوسها الشيطانية إلى الحضيض، بحيث أفضت ليوسف أخيراً عمّا في قلبها وراودته عن نفسه. واتّبعت جميع الأساليب والطرق للوصول إلى هدفها، وسعت لكي تلقي في قلبه أثراً من هواها وترغيبها وطلبها، كما يقول عن ذلك القرآن الكريم: (وراودته التي هو في بيتها). وجملة "راودته" مأخوذة من مادّة "المراودة" وأصلها البحث عن المرتع والمرعى، وما ورد في المثل المعروف "الرائد لا يكذب أهله" إشارة إلى هذا المعنى، كما يطلق "المرود" على وزن (منبر) على قلم الكحل الذي تكحل به العين، ثمّ توسّعوا في هذا اللفظ فاُطلق على كلّ ما يُطلب بالمداراة والملاءمة. وهذا التعبير يشير إلى أنّ امرأة العزيز طلبت من يوسف أن ينال منها بطريق المسالمة والمساومة - كما يصطلح عليه - وبدون أي تهديد، وأبدت محبّتها القصوى له بمنتهى اللين. وأخيراً فكّرت في أن تخلو به وتوفّر له جميع ما يثير غريزته، من ثياب فضفاضة، وعطور عبقة شذيّة، وتجميلات مرغبة، حتّى تستولي على يوسف وتأسره!. يقول القرآن الكريم: (وغلّقت الأبواب وقالت هيتَ لك). "غلّقت" تدلّ على المبالغة وأنّها أحكمت غلق الأبواب، وهذا يعني أنّها سحبت يوسف إلى مكان من القصر المتشكّل من غرف متداخلة... وكما ورد في بعض الرّوايات كانت سبعة أبواب، فغلقتها عليه جميعاً... لئلاّ يجد يوسف أي طريق للفرار... إضافةً إلى ذلك أرادت أن تُشعر يوسف أن لا يقلق لإنتشار الخبر فإنّه سوف لا يفتضح، حيث لا يستطيع أحد أن ينفذ إلى داخل القصر أبداً. وفي هذه الحال، حين رأى يوسف أنّ هذه الأُمور تجري نحو الإثم، ولم ير طريقاً لخلاصه منها، توجّه يوسف إلى زليخاو (قال معاذ الله) وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امرأة العزيز غير المشروع... وأعلمها أنّه لن يستسلم لإرادتها. وأفهمها ضمناً - كما أفهم كلّ إنسان - أنّه في مثل هذه الظروف الصعبة لا سبيل إلى النجاة من وساوس الشيطان وإغراءاته إلاّ بالإلتجاء إلى الله... الله الذي لا فرق عنده بين السرّ والعلن، بين الخلوة والإجتماع، فهو مطّلع ومهيمن على كلّ شيء، ولا شيء إلاّ وهو طوع أمره وإرادته! وبهذه الجملة إعترف يوسف بوحدانية الله تعالى من الناحية النظرية، وكذلك من الناحية العملية أيضاً، ثمّ أضاف (إنّه ربّي أحسن مثواي)... أليس التجاوز ظُلماً وخيانةً واضحة (إنّه لا يفلح الظالمون). المراد من كلمة "ربّي" هناك أقوال كثيرة بين المفسّرين في المراد من قوله: (إنّه ربّي) فأكثر المفسّرين، كالعلاّمة الطبرسي في مجمع البيان وكاتب المنار في تفسير المنار وغيرهما، قالوا: إنّ كلمة "ربّ" هنا إستعملت في معناها الواسع، وقالوا: إنّ المراد من كلمة "ربّ" هنا هو "عزيز مصر" الذي لم يألُ جهداً في إكرام يوسف، وكان يوصي امرأته من البداية بالإهتمام به وقال لها: (أكرمي مثواه). ومن يظنّ أنّ هذه الكلمة لم تستعمل بهذا المعنى فهو مخطىء تماماً، لأنّ كلمة "ربّ" في هذه السورة أطلقت عدّة مرّات على غير الله سبحانه. وأحياناً ورد هذا الإستعمال على لسان يوسف نفسه، وأحياناً على لسان غيره! فمثلا في قصّة تعبير الرؤيا للسجناء، طلب يوسف من الذي بشّره بالنجاة أن يذكر حاله عند ملك مصر (وقال للذي ظنّ أنّه ناج منهما أذكرني عند ربّك) (الآية 42). كما نلاحظ هذا الإستعمال على لسان يوسف - أيضاً - حين جاءه مبعوث فرعون مصر، إذ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: (فلمّا جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربّك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) (الآية 50). وفي الآية (41) من هذه السورة، وذيل الآية (42) اُطلقت كلمة "ربّ" في لسان القرآن الكريم بمعنى المالك وصاحب النعمة. فعلى هذا تلاحظون أنّ كلمة "ربّ" استعملت 4 مرّات - سوى الآية محلّ البحث - في غير الله، وإن كانت قد إستعملت في هذه السورة وفي سور أُخرى من القرآن في خصوص ربّ العالمين (الله) مراراً. فالحاصل أنّ هذه الكلمة من المشترك اللفظي وهي تستعمل في المعنيين. ولكن رجّح بعض المفسّرين أن تكون كلمة "ربّ" في هذه الآية (إنّه ربّي أحسن مثواي) يُقصد بها الله... لأنّها جاءت بعد كلمة (معاذ الله) مباشرةً، وكونها إلى جنب لفظ الجلالة صار سبباً لعود الضمير في (إنّه ربّي) عليه فيكون معنى الآية: إنّني ألتجىء إلى الله وأعوذ به فهو إلهي الذي أكرمني وعظم مقامي وكلّ ما عندي من النعم فهو منه. ولكن مع ملاحظة وصيّة عزيز مصر لامرأته (أكرمي مثواه) وتكرارها في الآية - محل البحث - يكون المعنى الأوّل أقرب وأقوى. جاء في التوراة الفصل 39 رقم 8 و9 و10 ما مؤدّاه: "وبعد هذا وقعت المقدّمات، إنّ امرأة سيّده ألقت نظرتها على يوسف وقالت: إضطجع معي، لكنّه أبى وقال لامرأة سيّده: إنّه سيّدي غير عارف بما معي في البيت، وكلّ ما يملك مودع عندي، ولا أجد أكبر منّي في هذا البيت، ولم يزاحمني شيء سواك لأنّك امرأته، فكيف اُقدم على هذا العمل القبيح جدّاً، وأتجرّأ في الذنب على الله". فهذه الجمل في التوراة تؤيّد المعنى الأوّل. ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ طلبت منه أن يواقعها ﴿وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ﴾ وكانت سبعة ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ اسم فعل أي هلم أو أقبل واللام للتبيين ﴿قَالَ مَعَاذَ اللّهِ﴾ أعوذ به معاذا ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ أي زوجك سيدي ﴿أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ مقامي بإكرامي فلا أخونه في أهله أو الهاء لله أي خالقي رفع محلي فلا أعصيه ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ بالخيانة أو الزنا.