تهديد امرأة العزيز من جانبها بالسجن والإذلال من جهة، ووساوس النسوة الملوّثات اللائي خطّطن ليوسف كما يخطّط الدلاّل من جهة أُخرى، أوقعا يوسف في أزمة شديدة، وأحاط به طوفان المشاكل، ولكن حيث أنّ يوسف كان قد صنع نفسه، وقد أوجد نور الإيمان والعفّة والتقوى في قلبه هدوءاً وسكينة خاصّة، فقد صمّم بعزم وشجاعة والتفت نحو السّماء ليناجي ربّه وهو في هذه الشدّة (قال ربّ السجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه).
وحيث كان يدري أن لا مهرب له إلاّ إلى الله في جميع الأحوال ولا سيما في الساعات الحرجة، فقد أودع نفسه عند الله بهذا الكلام (وإلاّ تصرّف عنّي كيدهن أصبُ إليهنّ وأكن من الجاهلين).
ربّاه... إنّني أتقبّل السجن الموحش رعاية لأمرك وحفظاً لطهارة نفسي... هذا السجن تتحرّر فيه روحي وتطهّر نفسي، وأنا أرفض هذه الحريّة الظاهرية التي تأسر روحي في سجن "الشهوة" وتلوّث نفسي.
ربّاه... أعِنّي، وهب لي القوّة، وزدني قدرةً وعقلا وإيماناً وتقوى، حتّى أنتصر على هذه الوساوس!
﴿قَالَ﴾ حين توعدنه ودعونه إلى أنفسهن ﴿رَبِّ﴾ يا رب ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ من الفاحشة ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ أي ضرره بالتثبت على العصمة ﴿أَصْبُ﴾ أمل بطبعي ﴿إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾.