التّفسير
السّجن بسبب البراءة:
إنتهى المجلس العجيب لنسوة مصر مع يوسف في قصر العزيز في تلك الغوغاء والهياج، ولكنّ خبره - بالطبع - وصلَ إلى سمع العزيز... ومن مجموع هذه المجريات إتّضح أنّ يوسف لم يكن شابّاً عادّياً، بل كان طاهراً لدرجة لا يمكن لأي قوّة أن تجرّه إلى الإنحراف والتلوّث، واتّضحت علامات هذه الظاهرة من جهات مختلفة، فتمزّق قميصه من دُبر، ومقاومته أمام وساوس نسوة مصر، وإستعداده لدخول السجن وعدم الإستسلام لتهديدات امرأة العزيز بالسجن والعذاب الأليم، كلّ هذه الأُمور أدلّة على طهارته لا يمكن لأحد أن يسدل عليها الستار أو ينكرها!.
ولازم هذه الأدلّة إثبات عدم طهارة امرأة العزيز وإنكشاف جريمتها، وعلى أثر ثبوت هذه الجريمة فإنّ الخوف من فضيحة جنسية في اُسرة العزيز كان يزداد يوماً بعد يوم.
فكان الرأي بعد تبادل المشورة بين العزيز ومستشاريه هو إبعاد يوسف عن الأنظار لينسى الناس إسمه وشخصه، وأحسن السبل لذلك إيداعه قعر السجن المظلم أوّلا، وليشيع بين الناس أنّ المذنب الأصلي هو يوسف ثانياً، لذلك يقول القرآن في هذا الصدد: (ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجنّنه حتّى حين).
التعبير بكلمة "بدا" التي معناها ظهور الرأي الجديد، يدلّ على أنّ مثل هذا التصميم في حقّ يوسف لم يكن من قبل.
ويحتمل أن تكون هذه الفكرة إقترحتها امرأة العزيز الأوّل مرّة... وبهذا دخل يوسف النزيه - بسبب طهارة ثوبه - السجن، وليست هذه أوّل مرّة ولا آخرها أن يدخل الإنسان النزيه "بجريرة نزاهته" السجن!!
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم﴾ ظهر للعزيز وصحبه ﴿مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ﴾ الدلائل على براءة يوسف كقد القميص ونطق الطفل وقطع اليدين ونحوها ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾.