أجل... في المحيط المنحرف تكون الحرية من نصيب المنحرفين الذين يسيرون مع التيار وليست الحرية وحدها من نصيبهم فحسب، ... بل أنّ الأفراد النجباء كيوسف الذي لا يتلاءم مع ذلك المحيط ولونه ويتحرّك على خلاف مجرى الماء! ينبغي أن يقبعوا في زاوية النسيان... ولكن إلى متى؟ هل تستمر هذه الحالة؟... قطعاً لا... ومن جملة السجناء الداخلين مع يوسف فتيان (ودخل معه السجن فتيان).
وحيث أنّ من الظروف لم تكن تسمح للإنسان أن يحصل فيها على الأخبار بطريق عادي، فإنّه يأنس لأحاسيس الآخرين ليبحث عن مسير الحوادث ويتوقّع ما سيكون، حتّى أنّ الرؤيا وتعبيرها عنده يكون مطلباً مهمّاً.
من هذا المنطلق جاء ليوسف يوماً هذان الفتيان اللذان يقال: إنّ أحدهما كان ساقياً في بيت الملك، والآخر كان مأموراً للطعام والمطبخ، وبسبب وشاية الأعداء وسعايتهم بهما دخلا السجن بتهمة التصميم لسمّ الملك، وتحدّث كلّ منهما عن رؤيا رآها الليلة الفائتة وكانت بالنسبة له أمراً عجيباً.
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ﴾ عبدان للملك ساقيه وخبازه اتهما بإرادة سمه فسجنا فرأياه يعبر للناس رؤياهم ﴿قَالَ أَحَدُهُمَآ﴾ الساقي ﴿إِنِّي أَرَانِي﴾ في المنام ﴿أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ عنبا سماه بما يئول إليه ﴿وَقَالَ الآخَرُ﴾ الخباز ﴿إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ بتعبيره ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لتأويل الرؤيا أو إلى أهل السجن.