أمّا الأب الشيخ الكبير الذي لم يمح صورة (يوسف) عن ذاكرته مرّ السنين فإنّه حينما سمع هذا الكلام استولى عليه الخوف وقال لهم معاتباً: (هل آمنكم عليه إلاّ كما آمنتكم على أخيه من قبل) فكيف تتوقّعون منّي أن أطمئن بكم واُلبّي طلبكم واُوافق على سفر ولدي وفلذّة كبدي معكم إلى بلاد بعيدة، ولا زلت أذكر تخلفّكم في المرّة السابقة عن عهدكم، ثمّ أضاف (فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين)هذه العبارة لعلّها إشارة إلى ما تحدّثت به نفس يعقوب من أنّه يصعب عليّ أن اُوافق على سفر بنيامين معكم وقد عرفت سوؤكم في المرّة السابقة، لكن حتّى لو وافقت على ذلك فإنّني أتّكل على الله سبحانه وتعالى الذي هو أرحم الراحمين وأطلب رعايته وحفظه منه لا منكم.
الآية السابقة لا تدلّ على الموافقة القطعيّة وقبوله لطلبهم، وإنّما هي مجرّد إحتمال منه حيث أنّ الآيات القادمة تظهر أنّ يعقوب لم يكن قد وافق على طلبهم إلاّ بعد أن أخذ منهم العهود والمواثيق، والإحتمال الآخر هو أنّ هذه الآية لعلّها إشارة إلى يوسف، حيث كان يعلم إنّه على قيد الحياة (وسوف نقرأ في الآيات القادمة إنّه كان على يقين بحياة يوسف) فدعا له بالحفظ.
﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ وقد ضمنتم حفظه وقد فعلتم ما فعلتم ﴿فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ يرحمني بحفظه.