لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير خير الزّاد والمتاع: تواصل هذه الآيات الشريفة بيان أحكام الحجّ وزيارة بيت الله الحرام وتقرّر طائفة من التشريعات الجديدة: 1- تقول الآية (الحجّ أشهر معلومات)(1). والمراد بهذه الأشهر: هي شوال، ذي القعدة، ذي الحجّة (شهر ذي الحجّة بكامله أو العشرة الأوائل منه) وهذه الأشهر تسمّى (أشهر الحجّ) لأنّ قسماً من أعمال الحجّ والعمرة لا يمكن الإتيان بها في غير هذه الأشهر، وقسماً آخر يجب الإتيان بها في اليوم التاسع إلى الثاني عشر من شهر ذي الحجّة، والسبب في أنّ القرآن الكريم لم يصرّح باسماء هذه الأشهر لأنّها معلومة للجميع وقد أكّد عليها القرآن الكريم بهذه الآية. ثمّ أنّ هذه الآية تستبطن نفياً لأحد التقاليد الخرافيّة في الجاهليّة حيث كانوا يستبدلون هذه الأشهر بغيرها في حالة حدوث حرب بينهم فيقدّموا ويؤخّروا منها كيف ما شاؤوا، فالقرآن يقول: "إنّ هذه الأشهر معلومة ومعيّنة فلا يصحّ تقديمها وتأخيرها"(2). 2- ثمّ تأمر الآية الكريمة فيمن أحرم إلى الحجّ وشرع بأداء مناسك الحجّ وتقول: (فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ). (رفث) بالأصل بمعنى الكلام والحديث المتضمّن ذكر بعض الاُمور القبيحة أعمّ من الاُمور الجنسيّة أو مقدّماتها، ثمّ بات كناية عن الجماع، ولكنّ البعض ذهبوا إلى أنّ مفردة (رَفَثَ) لا تطلق على هذا النوع من الكلام إلاّ في حضور النساء، فلو كان الحديث في غياب النساء فلا يسمّى بالرّفث(3). وذهب البعض إلى أنّ الأصل في هذه الكلمة هو الميل العملي للنّساء من المزاح واللّمس والتماس البدني الّذي ينتهي بالمقاربة الجنسيّة(4). (فسوق) بمعنى الذّنب والخروج من طاعة الله، و(جدال) تأتي بمعنى المكالمة المقرونة بالنّزاع، وهي في الأصل بمعنى شدّ الحبل ولفّه، ومن هذا استعملت في الجدال بين اثنين، لأنّ كلّ منهما يشدّ الكلام ويحاول إثبات صحّة رأيه ونظره. وعلى كلّ حال، ورد هذا الأمر للحجّاج في حرمة المقاربة مع الأزواج، وكذلك وجوب اجتناب الكذب والفحش (مع أنّ هذا العمل حرام أيضاً في غير مواضع الإحرام ولكنّه ورد النهي عنه في أعمال الحجّ بالخصوص ضمن المحرّمات الخمسة والعشرين على المحرم). وكذلك من المحرّمات على المحرم في الحجّ هو الجدال والقسم بالله تعالى سواء كان على حقّ أم باطل، وهو قول (لا والله، بلى والله). وهكذا ينبغي أن تكون أجواء الحجّ طاهرة من التمتّعات الجنسيّة وكذلك من الذنوب والجدال العقيم وأمثال ذلك، لأنّها أجواء عباديّة تتطلّب الإخلاص وترك اللّذائذ الماديّة وتقتبس روح الإنسان من ذلك المحيط الطّاهر قوّة جديدة تسوقها إلى عالم آخر بعيداً عن عالم المادّة، وفي نفس الوقت تقوّي الاُلفة والإتحاد والإتّفاق والاُخوّة بين المسلمين بإجتناب كلّ ما ينافي هذه الاُمور. وطبعاً لكلّ واحد من هذه الأحكام الشرعيّة شروح وشرائط مذكورة في كتب مناسك الحجّ الفقهيّة. 3- بعد ذلك تعقّب الآية وتبيّن المسائل المعنويّة للحجّ وما يتعلّق بالإخلاص وتقول (وما تفعلوا من خير يعلمه الله). وهذا أوّل لطف إلهي يناله الصالحون، فالمرحلة الأُولى من لذّة الإنسان المؤمن هي إحساسه بأنّ ما يعمله في سبيل الله إنّما هو بعين الله، ويا لها لذّة. وتضيف الآية: (وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى). هذه الآية أمرت بحمل الزاد. قيل: إن جماعة من أهل اليمن كانوا يحجّون دون أن يصحبوا معهم زاداً للطريق، قائلين: نحن ضيوف الله وطعامنا عليه. وهذه الفقرة من الآية أمرت بحمل الزاد، لأن الله سبحانه هيّأ للجميع طعامهم بالطرق الطبيعية. والآية تشير في الوقت نفسه إلى مسألة معنوية هي زاد التقوى، فهناك حاجة إلى زاد من نوع آخر هو "التقوى". والعبارة تنطوي على توعية المسلمين بالنسبة لعطاء الحجّ المعنوي وتفتّح أبصارهم على ما في ساحة الحجّ من معان عميقة تشدّ الإنسان بتاريخ الرسل و الأنبياء وبمشاهد تضحية إبراهيم بطل التوحيد، وبمظاهر عظمة الله سبحانه ممّا لا يوجد في مكان آخر، ولابدّ للحاج أن يستلهم من هذه الساحه زاداً يعينه على مواصلة مسيرته نحو الله فيما بقي من عمره. (واتقونِ يا أُولي الألباب)(5). الحديث موجّه إلى أُولي الألباب والعقول، والتركيز عليهم بانتهاج التقوى لأنهم هم القادرون على التزوّد كما ينبغي من العطاء التربوي لمناسك الحجّ، والآخرون لا ينالون منها سوى المظاهر والقشور. أي وقته ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ معروفات هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل تسعة من ذي الحجة بليلة النحر وقيل العشرة فالجمع لإقامة البعض مقام الكل أو لاستعماله فيما فوق الواحد وبناء الخلاف أن المراد بوقته وقت أفعاله وإحرامه ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ بأن لبى أو أشعر أو قلد ﴿ فَلاَ رَفَثَ ﴾ هو الجماع ﴿وَلاَ فُسُوقَ﴾ هو الكذب والسبأب ﴿وَلاَ جِدَالَ﴾ هو قول لا والله وبلى والله ﴿فِي الْحَجِّ﴾ في أيامه ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾ يجازيكم به ﴿وَتَزَوَّدُواْ﴾ لمعادكم التقوى ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ وقيل كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ويكونون كلا على الناس فنزلت فيهم ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ خصوا بالخطاب إشعارا بأن مقتضى العقل خشية الله وتقواه.