والمجموعة الثانية تتحدّث عنهم الآية بقولها (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
وهذه الفقرات من الآيات محل البحث تشير إلى هاتين الطائفتين وأنّ الناس في هذه العبادة العظيمة على نوعين، فبعض لا يفكر إلاّ بالمنافع الماديّة الدنيويّة ولا يريد من الله سواها، فمن البديهي أنّه يبقى له شيء في الآخرة.
ولكنّ الطائفة الثانية اتسّعت آفاقهم الفكريّة فاتجّهوا إلى طلب السّعادة في الدنيا باعتبارها مقدّمة لتكاملهم المعنوي وطلب السّعادة في الآخرة، فهذه الآية الكريمة توضّح في الحقيقة منطق الإسلام في المسائل الماديّة والمعنويّة وتدين الغارقين في الماديّات كما تدين المنعزلين عن الحياة.
أمّا ما المراد من (الحسنة)؟ فهناك تفاسير مختلفه لها، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الحسنة: (إنّها السّعة في الرّزق والمعاش وحس الخلق في الدنيا ورضوان الله والجنّة في الآخرة)(4).
ولكنّ بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّها تتضمّن معنى العلم والعبادة في الدنيا والجنّة في الآخرة، أو المال في الدنيا والجنّة في الآخرة، أو الزوجة الصالحة في الدنيا والجنّة في الآخرة، وقد ورد عن رسول الله (ص) هذه المعاني (من أوتي قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعينه على أمر دنياه واُخراه فقد أُوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووُقي عذاب النار)(5).
وواضح أنّ تفسير الحسنة هذا له مفهوم واسع بحيث يشمل جميع المواهب الماديّة والمعنويّة، وما ورد في الرواية أعلاه أو في كلمات المفسّرين فهو بيان لأبرز المصاديق لا حصر الحسنة بهذه المصاديق، فما تصوّره بعض المفسّرين من أنّ الحسنة الواردة في الآية بصورة المفرد النكرة لا تشمل على كلّ خير، ولهذا وقع الإختلاف في مصداقها بين المفسّرين(6)، إنّما هو إشتباه محض، لأنّ المفرد النكرة تارة يأتي بمعنى الجنس ومورد الآية ظاهراً من هذا القبيل، فالمؤمنون- كما ذهب إليه بعض المفسّرين- يطلبون من الله تعالى أصل الحسنة بدون أن ينتخبوا لها مصداقاً من المصاديق، بل يوكلون هذا الأمر إلى مشيئته وإرادته وفضله تعالى(7).
﴿وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ كالصحة والأمن وسعة الرزق وحسن الخلق ﴿وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ رضوانك والجنة ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ بالعفو وعن علي (عليه السلام) الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار امرأة السوء.