الآية الأخيرة تشير إلى مطلبين:
الأوّل: قوله تعالى: (له دعوة الحقّ) فهو يستجيب لدعواتنا، وهو عالم بدعاء العباد وقادرٌ على قضاء حوائجهم، ولهذا السبب يكون دعاؤنا إيّاه وطلبنا منه حقّاً، وليس باطلا.
ولكن دعاء الأصنام باطل (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) نعم هكذا في دعوة الباطل ليست أكثر من وهم، لأنّ ما يقولونه من علم وقدرة الأصنام ما هو إلاّ أوهام وخيال، أو ليس الحقّ هو عين الواقع وأصل الخير والبركة؟ والباطل هو الوهم وأصل الشرّ والفساد؟ ولتصوير هذا الموضوع يضرب لنا القرآن الكريم مثالا حيّاً ورائعاً يقول: (إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه).
فهل يستطيع أحد أن يجلس على بئر ويطلب الماء بإشارة يد ليبلغ الماء فاه؟ هذا العمل لا يصدر إلاّ من إنسان مجنون!
وتحتمل الآية تفسيراً آخر، فهي تُشبّه المشركين كمن بسط كفّه في الماء ليتجمع فوقها الماء، وعند خروجها من الماء لم يجد فيها شيئاً منه لأنّ الماء يتسرّب من بين أصابع الكفّ المفتوحة.
وهناك تفسير ثالث وهو أنّ المشركين - لحلّ مشاكلهم - كانوا يلجأون إلى الأصنام، فمثلهم مثل الذي يحتفظ بالماء في يده، هل يُحفظ الماء في يد؟!
وهناك مثل معروف بين العرب لمن يسعى بدون فائدة يقال له: هو كقابض الماء باليد، ويقول الشاعر:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها ***** من الودّ مثل القابض الماء باليد
ولكنّنا نعتقد أنّ التّفسير الأوّل أوضح!
وللتأكيد على هذا الحديث يأتي في نهاية الآية قوله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال) وأيّ ضلال أكبر من أن يسعى الإنسان ويجتهد في السبيل الضالّ... ولكنّه لا يصل إلى مقاصده.
ولا يحصل على شيء نتيجة تَعبه وجهده.
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ أي كلمته وهي لا إله إلا الله أو الدعوة المجابة فإنه يجيب من دعاه أو دعوة المدعو الحق وهو الله ﴿وَالَّذِينَ﴾ أي الأصنام الذين ﴿يَدْعُونَ﴾ يعبدهم المشركون ﴿مِن دُونِهِ﴾ أي غيره ﴿لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾ من مطالبهم ﴿إِلاَّ كَبَاسِطِ﴾ إلا استجابة كاستجابة باسط ﴿كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء﴾ يدعوه ﴿لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ بانتقاله من مكانه إليه ﴿وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ ولن يبلغ فاه لأنه جماد لا يشعر فكذا آلهتهم ﴿وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ ضياع.