لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير وصف دقيق لمنظر الحقّ والباطل: يستند القرآن الكريم - الذي يعتبر كتاب هداية وتربية - في طريقته إلى الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة إلى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال الحسّية الرائعة من حياة الناس، وهنا - أيضاً - لأجل أن يُجسّم حقائق الآيات السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك، الإيمان والكفر، الحقّ والباطل، يضرب مثلا واضحاً جدّاً لذلك... يقول أوّلا: (أنزل من السّماء ماءً) الماء عماد الحياة وأصل النمو والحركة، (فسالت أودية بقدرها) تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف أمامها، وفي هذه الأثناء يظهر الزَّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم: (فاحتمل السيل زبداً رابياً). "الرابي" من "الربو" بمعنى العالي أو الطافي، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل. وليس ظهور الزبد منحصراً بهطول الأمطار، بل (وممّا يوقدون عليه في النّار إبتغاء حلية أو متاع زبد مثله)(1) أي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها أو صناعة الوسائل اللازمة في الحياة. بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع، يستنتج القرآن الكريم (كذلك يضرب الله الحقّ والباطل) ثمّ يتطرّق إلى شرحه فيقول: (فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاءً ويصير باطلا متلاشياً، وأمّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض أو ينفذ إلى الأعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش، وتروي الأشجار لتثمر، والأزهار لتتفتّح، وتمنح لكلّ شيء الحياة. وفي آخر الآية - للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال - يقول تعالى: (كذلك يضرب الله الأمثال). بحوث هذا المثال البليغ الذي عبّر عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل بأروع صورة، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا إلى قسم منها: 1 - ما هي علائم معرفة الحق والباطل؟ يحتاج الإنسان في بعض الأحيان لمعرفة الحقّ والباطل - إذا أشكل عليه الأمر - إلى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال المثال أعلاه: ألف: ـ الحقّ مفيد ونافع دائماً، كالماء الصافي الذي هو أصل الحياة. أمّا الباطل فلا فائدة فيه ولا نفع، فلا الزبد الطافي على الماء يروي ظمآناً أو يسقي أشجاراً، ولا الزبد الظاهر من صهر الفلزات يمكن أن يستفاد منه للزينة أو للإستعمالات الحياتية الأُخرى، وإذا إستخدمت لغرض فيكون إستخدامها رديئاً ولا يؤخذ بنظر الإعتبار... كما نستخدم نشارة الخشب للإحراق. باء: ـ الباطل هو المستكبر والمرفّه كثير الصوت، كثير الأقوال لكنّه فارغ من المحتوى، أمّا الحقّ فمتواضع قليل الصوت، وكبير المعنى، وثقيل الوزن(2). جيم - الحقّ يعتمد على ذاته دائماً، أمّا الباطل فيستمدّ إعتباره من الحقّ ويسعى للتلبّس به، كما أنّ (الكذب يتلبّس بضياء الصدق) ولو فقد الكلام الصادق من العالم لما كان هناك من يصدق الكذب. ولو فقدت البضاعة السليمة من العالم لما وجد من يخدع ببضاعة مغشوشة. وعلى هذا فوجود الباطل راجع إلى شعاعه الخاطف وإعتباره المؤقّت الذي سرقه من الحقّ، أمّا الحقّ فهو مستند إلى نفسه وإعتباره منه. 2 - ما هو الزّبد؟ "الزبد" بمعنى الرغوة التي تطفوا على السائل، والماء الصافي أقلّ رغوة، لأنّ الزبد يتكوّن بسبب إختلاط الأجسام الخارجية مع الماء، ومن هنا يتّضح أنّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث أبداً، ولكن لإمتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث فإنّه يكتسب منه شيئاً، فتختلط الحقيقة مع الخرافة، والحقّ بالباطل، والصافي بالخابط. فيظهر الزبد الباطل إلى جانب الحقّ. وهذا هو الذي يؤكّده الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول: "لو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل إنقطعت عنه ألسن المعاندين".(3) يقول بعض المفسّرين إنّ للآية أعلاه ثلاث أمثلة: "نزول آيات القرآن" تشبيهه بنزول قطرات المطر للخير، "قلوب الناس" شبيهة بالأرض والوديان وبقدر وسعها يستفاد منها، "وساوس الشيطان" شبيهة بالزبد الطافي على الماء، فهذا الزبد ليس من الماء، بل نشأ من إختلاط الماء بمواد الأرض الأُخرى، ولهذا السبب فوساوس النفس والشيطان ليست من التعاليم الإلهية، بل من تلوّث قلب الإنسان، وعلى أيّة حال فهذه الوساوس تزول عن قلوب المؤمنين ويبقى صفاء الوحي الموجب للهداية والإرشاد. 3 - الإستفادة تكون بقدر الإستعداد واللياقة! يستفاد من هذه الآية - أيضاً - أنّ مبدأ الفيض الإلهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة، كما أنّ السحاب يسقط أمطاره في كلّ مكان بدون قيد أو شرط، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها، فالأرض الصغيرة تستفيد أقلّ والأرض الواسعة تستفيد أكثر، وهكذا قلوب الناس في مقابل الفيض الإلهي. 4 - الباطل والأوضاع المضطربة عندما يصل الماء إلى السهل أو الصحراء ويستقرّ فيها، تبدأ المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد فيظهر الماء النقي مرّةً ثانية، وعلى هذا النحو فالباطل يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها، ولكن بعد إستقرار السوق وجلوس كلّ تاجر في مكانه المناسب وتحقّق الإلتزامات والضوابط في المجتمع، لا يجد الباطل له مكاناً فينسحب بسرعة! 5 - الباطل يتشكّل بأشكال مختلفة إنّ واحدة من خصائص الباطل هي أنّه يغيّر لباسه من حين لآخر، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع أن يخفي وجهه بلباس آخر، وفي الآية أعلاه إشارة لطيفة لهذه المسألة، حيث تقول: لا يظهر الزبد في الماء فقط، بل يظهر حتّى في الأفران المخصوصة لصهر الفلزات بشكل ولباس آخر، وبعبارة أُخرى فإنّ الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب لها. وعلى هذا يجب أن لا نُخدع بتنوّع الوجوه وأن نعرف أوجه الباطل ونطرحه جانباً. 6 - إرتباط البقاء بالنفع تقول الآية: (وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ليس الماء فقط يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة أو للمتاع يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادىء لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم، وإذا ما رأينا بقاء أصحاب المباديء الباطلة لفترة فانّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي إختلط فيه، وبهذا المقدار له حقّ الحياة. 7 - كيف يطرد الحقّ الباطل؟ "الجفاء" بمعنى الإلقاء والإخراج، ولهذا نكتة لطيفة وهي أنّ الباطل يصل إلى درجة لا يمكن فيها أن يحفظ نفسه، وفي هذه اللحظة يُلقى خارج المجتمع، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ، فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويُقذف إلى الخارج، وهذا دليل على أنّ الحقّ يجب أن يكون في حالة هيجان وغليان دائماً حتّى يُبعد الباطل عنه. 8 - الباطل مدينٌ للحقّ ببقائه كما قلنا في تفسير الآية، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد، ولا يمكن له أن يستمر، كما أنّه لولا وجود الحقّ فانّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك أشخاص صادقون لما وقع أحد تحت تأثير الأفراد الخونة ولما صدّق بمكرهم، فالشعاع الكاذب للباطل مدين في بقائه لنور الحقّ. 9 - صراع الحقّ والباطل مستمر المثال الذي ضربهُ لنا القرآن الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدوداً في زمان ومكان معينين، فهذا المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة، وهذا يبيّن أنّ عمل الحقّ والباطل ليس مؤقتاً وآنياً. وجريان الماء العذب والمالح مستمر إلى نفخ الصور، إلاّ إذا تحوّل المجتمع إلى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور وقيام الإمام المهدي (عليه السلام)) فعنده ينتهي هذا الصراع، وينتصر الحقّ ويطوي بساط الباطل، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها، وإلى أن نصل إلى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل، ويجب أن نحدّد موقفنا في هذا الصراع. 10 - تزامن الحياة مع السعي والجهاد المثال الرائع أعلاه يوضّح هذا الأساس لحياة الناس، وهو أنّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة، والعزّة بدون سعي غير ممكنة أيضاً، لأنّه يقول: يجب أن يذهب الناس إلى المناجم لتهيئة مستلزمات حياتهم في المتاع والزينة (إبتغاء حلية أو متاع). وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران الأفران للحصول على الفلز الخالص الصالح للإستعمال، وهذا لا يتمّ إلاّ من خلال السعي والمجاهدة والعناء. وهذه هي طبيعة الحياة حيث يوجد إلى جانب الورد الشوك، وإلى جانب النصر توجد المصاعب والمشكلات، وقالوا في القديم: (الكنوز في الخرائب وفوق كلّ كنز يوجد ثعبانٌ نائم)، فإنّ هذه الخربة والثعبان تمثّلان المشاكل والصعوبات للحصول على الموفّقية في الحياة. ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة وهي أنّ التوفيق لا يحصل إلاّ بتحمّل المصاعب والمحن، يقول جلّ وعلا في الآية (214) من سورة البقرة: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريب). الأمثال في القرآن: إنّ دور المثال في توضيح وتفسير الغايات له أهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار، ولهذا السبب لا يوجد أي علم يستغني عن ذكر المثال لإثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها إلى الأذهان، وتارةً ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء إلى الأرض وتكون مفهومة للجميع، فيمكن أن يقال: إنّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث العلمية والتربوية والإجتماعية والأخلاقية وغيرها، ومن جملة تأثيراته: 1 - المثال يجعل المسائل محسوسة: من المعلوم أنّ الإنسان يأنس بالمحسوسات أكثر، أمّا الحقائق العلمية المعقّدة فهي بعيدة المنال. والأمثال تقرّب هذه الفواصل وتجعل الحقائق المعنوية محسوسة، وإدراكها يسير ولذيذ. 2 - المثال يُقرّب المعنى: تارةً يحتاج الإنسان لإثبات مسألة منطقية أو عقلية إلى أدلّة مختلفة، ومع كلّ هذه الأدلّة تبقى هناك نقاط مبهمة محيطة بها، ولكن عند ذكر مثال واضح منسّق مع الغاية يقرّب المعنى ويعزّز الأدلّة ويقلّل من كثرتها. 3 - المثال يعمّم المفاهيم كثير من البحوث العلمية بشكلها الأصلي يفهمها الخواص فقط، ولا يستفيد منها عامّة الناس، ولكن عندما يصحبها المثال تكون قابلة للفهم، ويستفيد منها الناس على إختلاف مستوياتهم العلمية، ولهذا فالمثال وسيلة لتعميم الفكر والثقافة. 4 - المثال، يزيدُ في درجة التصديق: مهما تكن الكليّات العقلية منطقية، فإنّها لا تخلق حالة اليقين الكافية في ذهن الإنسان، لأنّ الإنسان يبحث عن اليقين في المحسوسات، فالمثال يجعل من المسألة الذهنيّة واقعاً عينيّاً، ويوضّحها في العالم الخارجي، ولهذا السبب فإنّ له أثره في زيادة درجة تصديق المسائل وقبولها. 5 - المثال يُخرس المعاندين: كثيراً ما لا تنفع الأدلّة العقليّة والمنطقيّة لإسكات الشخص المعاند حيث يبقى مصرّاً على عناده ولكن عندما نصب الحديث في قالب المثال نوصد الطريق عليه بحيث لا يبقى له مجال للتبرير ولا لإختلاق الأعذار. ولا بأس أن نطرح هنا بعض الأمثلة حتى نعرف مدى تأثيرها: نقرأ في القرآن الكريم أنّ الله سبحانه وتعالى يردُ على الذين أشكلوا على ولادة السّيد المسيح (عليه السلام) كيف أنّه ولد من اُمّ بغير أب (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب).(4) لاحظوا جيداً، فنحن مهما حاولنا أن نقول للمعاندين: إنّ هذا العمل بالنسبة إلى قدرة الله المطلقة لا شيء، فمن الممكن أن يحتجّوا أيضاً، ولكن عندما نقول لهم هل تعتقدون أنّ آدم خلقه الله من تراب؟ فانّ الله الذي له هذه القدرة كيف لا يستطيع إيجاد شخص بدون أب؟! وبالنسبة إلى المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم أيّاماً مريحة ظاهراً، فانّ القرآن الكريم يضرب مثالا رائعاً عن حالهم، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنّ الله على كلّ شيء قدير).(5) فهل يوجد أوضح من هذا الوصف للمنافق التائه في الطريق، ليستفيد من نفاقه وعمله كي يستمرّ في حياته؟ وعندما تقول للأفراد: إنّ الإنفاق يضاعفه لكم الله عدّة مرّات قد لا يستطيعون أن يفهموا هذا الحديث، ولكن يقول القرآن الكريم: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أبنتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مئة حبّة)(6)، وهذا المثال الواضح أقرب للإدراك. وغالباً ما نقول: إنّ الرياء لا ينفع الإنسان، فقد يكون هذا الحديث ثقيلا على البعض، كيف يمكن لهذا العمل أن يكون غير مفيد، فبناء مستشفى أو مدرسة حتّى لو كان بقصد الرياء... لماذا ليست له قيمة عند الله؟! ولكن يضرب الله مثالا رائعاً حيث يقول: (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً).(7) ولكي لا نبتعد كثيراً فالآية التي نحن بصدد تفسيرها تبحث في مجال الحقّ والباطل وتجسّم هذه المسألة بشكل دقيق، المقدّمات والنتائج، والصفات والخصوصيات والآثار، وتجعلها قابلة الفهم للجميع وتُسكت المعاندين، وأكثر من ذلك تكفينا تعب البحوث المطوّلة. وفي مناظرة للإمام الصادق (عليه السلام) مع أحد الزنادقة حول قوله تعالى: (كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب) قال: فما بال الغير؟ أجابه الإمام: "ويحك هي هي وهي غيرها!" قال: فمثّل لي ذلك شيئاً من أمر الدنيا! قال: "نعم، أرأيت لو أنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها ثمّ ردّها في ملبنها، فهي هي وهي غيرها"(8). ولابدّ هنا من ملاحظة هذه اللفظة وهي أنّ المثال وما له من تأثير كبير ودور فعّال يجب أن يكون مطابقاً وموافقاً للمقصود، وإلاّ يكون ضالا ومنحرفاً. ولهذا السبب يستفيد المنافقون من هذه الأمثلة المنحرفة ليضلّوا بها الناس البسطاء، فهم يستعينون بشعاع المثال ليصدق الناس أكاذبيهم، فيجب أن نحذر من هذه الأمثلة المنحرفة ونلاحظها بدقّة. ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء﴾ مطرا ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ﴾ أي مياهها ﴿بِقَدَرِهَا﴾ في الصغر والكبر ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا﴾ وهو الأبيض المنتفخ على وجه الماء ﴿رَّابِيًا﴾ عاليا عليه ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ﴾ من الفلزات كالذهب والفضة والنحاس والحديد ﴿ابْتِغَاء حِلْيَةٍ﴾ طلب زينة ﴿أَوْ مَتَاعٍ﴾ ينتفع به كالأواني وغيرها ﴿زَبَدٌ مِّثْلُهُ﴾ أي من هذه الأشياء زبد مثل زبد السيل هو خبثها ﴿كَذَلِكَ﴾ المذكور ﴿يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ أي مثلهما فالصافي المنتفع به من الماء والفلز مثل الحق والزبد المضمحل منهما مثل الباطل ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ﴾ من السيل والفلز المذاب ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاء﴾ حال أي مرميا به باطلا ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ﴾ من الماء والفلز ﴿فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ يبقى دهرا ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ للحق الباقي والباطل الفاني.