التّفسير
المفسدون في الأرض!
بعد ما ذكرت الآيات السابقة صفات اُولي الألباب ودعاة الحقّ، أشارت هذه الآيات إلى قسم من الصفات الأصليّة للمفسدين الذين فقدوا حظّهم من العلم والمعرفة حيث يقول جلّ وعلا: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أُولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار).
في الحقيقة يتلخّص فساد عقيدتهم في الجمل الثلاث الآتية:
1 - نقض العهود الإلهيّة: وتشمل المواثيق الفطرية والعقليّة والتشريعيّة.
2 - قطع الصلات: وتشمل الصلة مع الله والرسل والناس ومع أنفسهم.
3 - الإفساد في الأرض: وهو نتيجة حتمية لنقض العهود وقطع الصلات.
أو ليس المفسد هو الذي ينقض عهد الله ويقطع الصلات؟!
فهذا السعي من قبل هذه المجموعة من الأفراد بهدف الوصول إلى الأغراض المادّية، وعوضاً أن تصل بهم هذه الجهود المبذولة إلى الأهداف النّبيلة تُبعدهم عنها، لأنّ اللعن هو عبارة عن الإبتعاد من رحمة الله(1).
ومن الظريف أنّ الدار هنا وفي الآية السابقة جاءت بصيغة مطلقة، وهذه إشارة إلى أنّ الدار الحقيقيّة هي الدار الآخرة، وأي دار ما عداها فانية وزائلة.
قوله تعالى: (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) وهذه إشارة لاُولئك الذين يسعون للحصول على دخل أكثر فهم يفسدون في الأرض وينقضون عهد الله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل لكي يزيدوا من دخلهم المادّي، وهم غافلون عن هذه الحقيقة وهي أنّ الرزق - في زيادته ونقصه - بيد الله سبحانه وتعالى.
وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تكون هذه الجملة جواباً على سؤال مقدّر، وهو: كيف أنّ الله سبحانه وتعالى يرزق كلّ هؤلاء الناس الصالح منهم والطالح من فيض كرمه.
﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ ما وثقوه به ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ بالظلم والكفر ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ عذاب النار أو سوء العاقبة فيها.