أسباب النّزول
قال بعض المفسّرين: إنّ الآية الأُولى نزلت في صلح الحديبيّة في السنة السادسة للهجرة، وذلك عندما أرادوا كتابة معاهدة الصلح، قال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم..." قال سهيل بن عمرو ومعه المشركون: نحن لا نعرف الرحمان! وإنّما هناك رحمان واحد في اليمامة "وكان قصدهم مسيلمة الكذّاب" بل اكتب "باسمك اللّهم" كما كانوا يكتبونه في الجاهلية، ثمّ قال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): "اُكتب: هذا ما اتّفق عليه محمّد رسول الله..." فقال المشركون: إذا كنت رسول الله فإنّه لظلمٌ كبير أن نقاتلك ونمنعك من الحجّ، ولكن اُكتب: هذا ما اتّفق عليه محمّد بن عبدالله!...
وفي هذه الأثناء غضب صحابة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: دعنا نقاتل هؤلاء المشركين، ولكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لا، أُكتب كما يشاؤون" وفي هذه الأثناء نزلت الآية أعلاه، وهي توبّخ المشركين على عنادهم ومخالفتهم في اسم الرحمن الذي هو واحد من صفات الله جلّ وعلا.
هذا السبب في النّزول يمكن أن يكون صحيحاً في حالة إعتقادنا بأنّ السورة مدنيّة حتّى توافق حادثة صلح الحديبيّة، ولكنّ المشهور أنّها مكّية.
إلاّ إذا إعتبرنا أنّ سبب النّزول هو ردّ على المشركين كما في الآية (60) من سورة الفرقان (اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن).
وعلى أيّة حال، وبغضّ النظر عن سبب النّزول، فإنّ الآية لها مفهوم واضح سوف نتطرّق إليه في تفسيرنا لها.
وقال بعض المفسّرين في سبب نزول الآية الثّانية: إنّها جواب لمجموعة من مشركي مكّة، حيث كانوا جالسين خلف الكعبة وطلبوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاءهم (صلى الله عليه وآله وسلم) "على أمل هدايتهم" قالوا: إذا كُنت تحبّ أن نكون من أصحابك فأبعد هذه الجبال قليلا إلى الوراء حتّى تتّسع لنا الأرض! وشقّ الأرض لكي تتفجّر العيون والأنهار حتّى نغرس الأشجار ونقوم بالزراعة! ألم تعتقد بأنّك لا تقلّ عن داود الذي سخّر الله له الجبال تسبح معه؟ أو أنّ تسخّر لنا الريح حتّى نسافر عليها إلى الشام ونحلّ مشاكلنا التجارية وما نحتاج إليه ثمّ نعود في نفس ذلك اليوم! كما كانت مسخّرة لسليمان (عليه السلام)، ألم تعتقد أنّك لا تقلّ عن سليمان، أو أحيي لنا جدّك "قُصي" أو أي واحد من موتانا كي نسأله هل أنّ ما تقوله حقّ أم باطل، أو ليس عيسى كان يحيي الموتى!
وفي هذه الأثناء نزلت الآية الثانية تذكرهم بأنّ كلّ ما يقولونه سببه الخصومة والعناد لا لكي يؤمنوا، وإلاّ فهناك معاجز كثيرة حصلت لهم.
التّفسير
لا أمل في إيمان أهل العناد:
تبحث هذه الآيات مرّةً ثانية مسألة النبوّة، والآيات أعلاه تكشف عن قسم آخر من جدال المشركين في النبوّة وجواب القرآن عليهم فيقول الآية: كما أنّنا أرسلنا رسلا إلى الأقوام السالفة لهدايتهم: (كذلك أرسلناك في اُمّة قد خلت من قبلها اُمم) والهدف من ذلك (لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك).
في الوقت الذي (وهم يكفرون بالرحمن) يكفرون بالله الذي عمّت رحمته كلّ مكان، وشمل فيضه المؤمن والكافر.
ثمّ قل لهم: إنّ الرحمن الذي عمّ فضله هو ربّي (قل هو ربّي لا إله إلاّ هو عليه توكّلت وإليه متاب).
﴿كَذَلِكَ﴾ كما أرسلنا الرسل قبلك ﴿أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ﴾ مضت ﴿مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ﴾ فهي آخر الأمم وأنت آخر الرسل ﴿لِّتَتْلُوَ﴾ لتقرأ ﴿عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي القرآن ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ البليغ الرحمة العميم النعمة حيث قالوا وما الرحمن حيث أمروا بالسجود له ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ في أموري ﴿وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ توبتي أي رجوعي.