لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الأخيرة من هذه المجموعة تخاطب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول له: لست الوحيد من بين الأنبياء تعرّض لطلب المعاجز الإقتراحية والإستهزاء من الكفّار، بل (ولقد استهزيء برسل من قبلك). ولكن لم نعاقب هؤلاء الكفّار فوراً، بل (فأمليت للذين كفروا) لكي يستيقظوا ويعودوا إلى طريق الحقّ، أو نلقي عليهم الحجّة الكافية على الأقل. لأنّ هؤلاء إذا كانوا مذنبين فإنّ لطف الله وكرمه وحكمته لا تتأثّر بأفعال هؤلاء. وعلى أيّة حال فهذا التأخير ليس بمعنى نسيان العقاب، بل (ثمّ أخذتهم فكيف كان عقاب) وهذا المصير ينتظر قومك المعاندين أيضاً. بحوث 1 - لماذا التركيز على كلمة "الرحمان"؟ توضّح الآية أعلاه، وما ذكرناه في أسباب النّزول، أنّ كفّار قريش لم يوافقوا على وصف الله بالرحمن، وبما أنّ ذلك لم يكن سائداً لديهم، فانّهم كانوا يستهزئون به، في الوقت الذي نرى فيه الآيات السابقة تصرّ وتؤكّد على ذلك، لأنّ في هذه الكلمة لطفاً خاصّاً، ونحن نعلم أنّ صفة الرحمانية تعمّ وتشمل المؤمن والكافر، الصديق والعدو، في الوقت نفسه فانّ صفة الرحيم خاصّة بعباده المؤمنين. فكيف لا تؤمنون بالله الذي هو أصل اللطف والكرم حتّى شمل أعداءه بلطفه ورحمته، فهذا منتهى الجهل. 2 - لماذا لم يستجب النّبي لمطاليبهم ومرّة أُخرى نواجه هنا ما يقوله البعض من أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن لديه معجزة غير القرآن الكريم، ويستندون في ذلك إلى الآية أعلاه وأمثالها، لأنّ ظاهر هذه الآيات أنّ النّبي لم يستجب إلى طلبهم في إظهار المعاجز المختلفة من قبيل تسيير الجبال أو شقّ الأرض وإظهار العيون وإحياء الموتى والتكلّم معهم. ولكن - كما قلنا مراراً - الإعجاز يتمّ لإظهار الحقيقة فقط، ولاُولئك الذين يطلبون الحقّ، فليس النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل سحر حتّى يُنفّذ لهم كلّ ما يطلبونه منه أو يقترحونه عليه ثمّ بعد ذلك لا يقبلون منه. إنّ مثل هذا الطلب للمعاجز (المعاجز الإقتراحية) كان يصدر - فقط - من الأفراد المعاندين والجاهليين الذين لم يستجيبوا لأيّ حقّ. والآيات أعلاه تشير إلى ذلك بوضوح، ففي الآية الأخيرة تتحدّث عن إستهزائهم بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يعني أنّهم لم يطلبوا المعجزة من أجل الحقّ، بل كان طلبهم إستهزاءً بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وبالإضافة إلى ما ذكرناه من أسباب النّزول في بداية التّفسير لهذه الآيات، يمكن أن نستفيد من خلال طلبهم من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إحياء واحد من أجدادهم لكي يسألوه: هل أنّ ما تقوله حقّ أم باطل؟ فلو إستجاب لهم النّبي هذا الطلب فما معنى سؤالهم أنّ النّبي على حقّ أم باطل؟ وهذا يوضّح أنّ هؤلاء هم أفراد متعصّبون ومعاندون وهدفهم ليس البحث عن الحقيقة، (ولنا توضيح آخر من هذا الموضوع في ذيل الآية 90 من سورة الإسراء). 3 - ما هي القارعة؟ "القارعة" مأخوذة من مادّة "قرع" بمعنى طرقَ، وعلى ذلك تكون القارعة بمعنى الطارقة، وتشير هنا إلى الأحداث التي تقرع الإنسان وتنذره وإذا كان مستعدّاً للنهوض أيقظته. وفي الحقيقة إنّ للقارعة معنىً واسعاً، فهي تشمل كلّ مصيبة ومشكلة وحادثة تحيط بالإنسان. ولذلك يعتقد بعض المفسّرين أنّها تعني الحروب والجفاف والقتل والأسر، ويرى آخرون أنّها تشير إلى الحروب التي كانت تقع في صدر الإسلام تحت عنوان "السرية" التي لم يكن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشترك فيها، بل كان يأمر أصحابه بها، ولكن معنى القارعة يشمل جميع هذه الأحداث. ومن الطريف أنّ الآيات أعلاه تشير إلى أنّ الحوادث هذه إِمّا أن تنزّل عليهم أو تقع قريباً من دارهم، وهذا يعني: إذا لم تصيبهم هذه الحوادث في دارهم، فإنّها سوف تقع قريبة منهم، فهل لا تكفي هذه الحوادث لإيقاظهم؟ ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أمهلتهم ملاوة أي مدة والملوان الليل والنهار ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ أهلكتهم ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ عقابي لهم فكذا آخذ من استهزأ بك.