الآية الأخيرة من هذا البحث (كما بدأت هذه السورة بكتاب الله والقرآن) تُنهي سورة الرعد في التأكيد أكثر على معجزة القرآن يقول تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا).
فهم يصطنعون كلّ يوم عذراً، ويطلبون في كلّ وقت المعاجز، ثمّ آخر الأمر يقولون: لست بنبي! قل في جوابهم (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) فالله سبحانه وتعالى يعلم بأنّي رسوله، وكذلك هؤلاء لهم المعرفة الكافية بأنّ القرآن هو كتاب سماوي، فهم يعلمون جيّداً أنّ هذا الكتاب ليس من صنع البشر، ولا يمكن نزوله إلاّ من قبل الله.
وهذا تأكيد جديد على إعجاز القرآن بمختلف جوانبه وقد ذكرنا ذلك في أماكن أُخرى.
وبناءاً على ما قلناه أعلاه فإنّ المقصود بـ(من عنده علم الكتاب) هم العالمون بمحتوى القرآن الكريم.
وإحتمل بعض المفسّرين أنّها تشير إلى علماء أهل الكتاب الذين قرأوا علائم نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتبهم السّماوية، ومن جهة حبّهم ومعرفتهم آمنوا به.
لكن التّفسير الأوّل نراه أقرب إلى الصحّة.
وقد ذكرت كثير من الرّوايات أنّ المقصود بـ(من عنده علم الكتاب) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأئمّة الهدى، وهذه الرّوايات جُمعت في تفسير نور الثقلين والبرهان.
وهذه الرّوايات غير دالّة على الحصر، وكما قلنا مراراً فإنّها تشير إلى مصداق أو مصاديق تامّة وكاملة، وعلى أيّة حال فالتّفسير الأوّل الذي ذكرناه يؤيّد ذلك.
ومن المناسب أن ننهي حديثنا هنا بهذه الرّواية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله جلّ ثناؤه: (قال الذي عنده علم من الكتاب) قال: "ذاك وصي أخي سليمان بن داود" فقلت له: يارسول الله: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: "ذاك علي بن أبي طالب"(2).
اللهمّ افتح لنا أبواب رحمتك وألهمنا من علم الكتاب.
ربّنا أنِر قلوبنا بمعرفة القرآن واحبس أفكارنا على الحاجة إليك حتى لا نتوجّه لغيرك في مسائلنا، إنّك موضع الحاجات.
نهاية سورة الرعد
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ﴾ لهم ﴿كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ بإظهار المعجزات الشاهدة بصدقي ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ أو الإحاطة بالقرآن وهو علي (عليه السلام) والأئمة كما استفاض، وعن الصادق (عليه السلام): إيانا عنى.