ثمّ يشرح مصير الفئات من الأقوام السابقة ضمن عدّة آيات، الفئات التي كفرت بأنعم الله وخالفت الدعوة الإلهيّة، وهي تأكيد للآية السابقة يقول تعالى: (ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم).
يمكن أن تكون هذه الجملة تعقيباً على كلام موسى، أو بيان مستقلّ يخاطب به المسلمين، لكن النتيجة غير متفاوتة كثيراً، ثمّ يضيف تعالى: (قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) فهؤلاء لم يطّلع على أخبارهم إلاّ الله (لا يعلمهم إلاّ الله)(2).
ممّا لا شكّ فيه أنّ قسماً من أخبار قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم قد وصلتنا، ولكن لم يصلنا القسم الأكبر منها ولا يعلمها إلاّ الله، فتاريخ الأقوام الماضية مليءٌ بالأسرار والخصوصيّات بحيث لم يصل إلينا منها إلاّ القليل.
ولكي يوضّح القرآن الكريم مصيرهم يقول: (جاءتهم رسلهم بالبيّنات فردّوا أيديهم في أفواههم) أي وضعوا أيديهم على أفواههم من التعجّب والإنكار (وقالوا إنّا كفرنا بما اُرسلتم به).
لماذا؟ بسبب (وإنّا لفي شكٍّ ممّا تدعوننا إليه مريب).
ومعه كيف يمكننا أن نؤمن بما تدعونا إليه؟
ويرد هنا سؤال، وهو أنّهم أظهروا الكفر وعدم الإيمان بالرّسول في البداية، ولكن بعد ذلك أظهروا الشكّ والريب، فكيف ينطبق الإثنان؟
الجواب: إنّ بيان الشكّ والترديد - في الحقيقة - علّة لعدم الإيمان، لأنّ الإيمان بحاجة إلى اليقين، والشكّ مانع لذلك.
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ﴾ لا يعلم عددهم لكثرتهم ﴿إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالدلائل على صدقهم ﴿فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ عضوها على الرسل غيظا أو وضعوها عليها أمرا للرسل بالسكوت أو استهزاء بهم كمن غلبه الضحك أو وضعوا أيدي الرسل على أفواههم أو أريد بالأيدي النعم وهي ما نطقت به الرسل من الحجج أو ردوا حججهم من حيث جاءت بأن كتبوها ﴿وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ﴾ بزعمكم ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ﴾ من الدين ﴿مُرِيبٍ﴾ موجب للريب.