التّفسير
التوكّل على الله وحده:
نقرأ في هاتين الآيتين جواب الرسل على حجج المخالفين المعاندين، وإعتراضهم على بشرية الرسل، فكان جوابهم: (قالت لهم رسلهم إن نحن إلاّ بشر مثلكم ولكنّ الله يمنّ على من يشاء من عباده) يعني لو إفترضنا أنّ الله تعالى أرسل لكم ملائكة بدل البشر، فهي لا تمتلك شيئاً لذاتها، فكلّ المواهب ومن جملتها موهبة الرسالة والقيادة هي من عند الله، فالذي يستطيع أن يهب الملائكة هذا المقام قادر أن يعطيها للإنسان.
وبديهي أنّ هذه المنح من قبل الله ليست بدون حساب، وقد قلنا مراراً: إنّ المشيئة الإلهيّة تُساير حكمته تعالى، فعندما نسمع قول القائل: "إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً..." يكون المراد العبد المستعدّ لهذه الموهبة.
ومن المعلوم أنّ مقام الرسالة موهبة إلهيّة، ونحن نرى أنّ الأنبياء بالإضافة إلى الرسالة الإلهيّة لهم إستعداد وأهلية لتحمّلها.
ثمّ يجيب على السؤال الثّالث دون أن يجيب على الثاني، وكأنّ الإعتراض الثّاني الذي هو الإستنان بسنّة الأجداد ليس له أي أهميّة وفارغ من المحتوى بحيث أنّ أيّ إنسان عاقل - بأقلّ تأمّل - يفهم جوابه، بالإضافة إلى أنّ القرآن الكريم قد أجاب عنه في آيات اُخر.
وجواب السؤال الثّالث هو أنّ عملنا ليس الإتيان بالمعاجز، فنحن لا نجلس في مكان ونلبّي لكم المعاجز الإقتراحية وكلّ ما سوّلت لكم أنفسكم، بل (ما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلاّ بإذن الله).
ومع ذلك فانّ كلّ نبي كان يظهر لقومه المعاجز بمقدار كاف بدون أن يطلبها الناس منه، وذلك لكي يثبت الأنبياء أحقّيتهم ولتكون المعاجز سنداً لصدقهم، مع أنّ مطالعة دعوتهم وحدها أكبر إعجاز لهم، ولكن المعترضين غالباً لم يصغوا لذلك، وهم يقترحون كلّ يوم شيئاً جديداً، فإن لم يستجب لهم الرّسول، يقيموا الدنيا ويقعدوها.
ولكي يردّ الرسل على تهديداتهم المختلفة يقولون: (وعلى الله فليتوكّل المؤمنون).
﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ كما قلتم ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ بالنبوة ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بأمره وليس ما اقترحتم في وسعنا وإنما هو متعلق بمشيئته تعالى ﴿وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في أمورهم.