لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول روى "الثعلبي" مفسّر أهل السنّة المعروف في تفسيره أن النبي (ص) لمّا أراد الهجرة إلى المدينة خلّف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودائع التي كانت عنده وأمره ليلة خروجه من الدّار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال له: اتّشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي وإنّه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى. ففعل ذلك علي، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة انزلا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه. فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل يُنادي بخّ بخّ مَن مثلك يا علي يُباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة، فأنزل الله على رسوله وهو متوجّه إلى المدينة في شأن علي الآية. ولهذا سُمّيت هذه اللّيلة التاريخية بليلة المبيت، ويقول ابن عباس نزلت الآية في علي حين هرب رسول الله من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ونام علي على فراش النبي. ويقول (أبو جعفر الإسكافي) كما جاء في شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المجلّد /3/ الصفحة (270) "إنّ حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة"(1). التّفسير التضحيّة الكبرى في دولة الهجرة التاريخيّة: بالرّغم من أنّ الآية محل البحث تتعلّق كما ورد في سبب النزول بحادثة هجرة النبي (ص) وتضحية الإمام علي ومبيته على فراش النبي، ولكنّ مفهومها ومحتواها الكلّي- كما في سائر الآيات القرآنية- عامٌّ وشامل، وفي الحقيقة أنّها تقع في النقطة المقابلة للآيات السابقة الّتي تتحدّث عن المنافقين. تقول الآية(ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد). الطائفة السّابقة الّتي تحدّثنا عنها هي مجموعة من الأشخاص المعنادين والمغرورين والأنانيّين الّذين يحاولون أن يحقّقوا لهم بين المجتمع عزّة وكرامة عن طريق النفاق ويتظاهرون بالإيمان بأقوالهم بينما أعمالهم ليس فيها سوى الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل. أما هذه الطائفة الثّانية فتعاملهم مع الله وحده حيث يقدّمون أرواحهم رخيصة في سبيله، ولا يبتغون سوى رضاه، ولا يطلبون عزّة ورفعة الإّ بالله، وبتضحيات هؤلاء يصلح أمر الدّين والدنيا ويستقيم شأن الحقّ والحقيقة وتصفو حياة الإنسان وتثمر شجرة الإسلام. ومن هنا يتّضح أنّ جملة (والله رؤوف بالعباد) بمثابة النقطة المقابلة لما ورد في الآية السابقة عن المنافقين المفسدين في الأرض (فحسبه جهنّم ولبئس المهاد) وقد تكون إشارة إلى أن الله عزّوجلّ في الوقت الّذي هو رحيم ورؤوف بالعباد هو الّذي يشري الأنفس بأغلى الأثمان وهو رضوان الله تعالى عن الإنسان. وممّا يستلفت النظر أنّ البائع هو الإنسان، والمُشتري هو الله تعالى، والبضاعة هي النفس، وثمنها هو رضوان الله تعالى، في حين نرى في موارد اُخرى أنّ ثمن مثل هذه المعاملات هو الجنّة الخالدة والنجاة من النار، من قبيل قوله تعالى (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتلُون ويُقْتَلون)(2). ولعلّه لهذا السبب كانت (مِن) في الآية مورد البحث تبعيضية (ومن الناس)، يعني أنّ بعض الناس يستطيعون أن يقوموا بمثل هذه الأعمال الخارقة بحيث لا يطلبون عوضاً عن أرواحهم وأنفسهم سوى رضوان الله تعالى، وأمّا في الآية (111) من سورة التوبة التي ذكرناها سابقاً رأينا أنّ جميع المؤمنين قد دُعوا إلى التعامل والتجارة مع الله تعالى في مقابل الجنّة الخالدة. ويُحتمل أيضاً في تفسير جملة (والله رؤوف بالعباد) وتناسبها مع بداية هذه الآية أنّ المراد هو بيان هذه الحقيقة أنّ وجود مثل هؤلاء الأفراد بين الناس لطف من الله سبحانه ورأفة بعباده، إذ لو لم يكن بين الناس مثل هؤلاء الأفراد المضحّين المتفانين مقابل تلك العناصر الخبيثة لانهدمت أركان الدّين والمجتمع، لكنّ الله سبحانه بفضله ومنّه يدفع بهؤلاء الصّديقين الأولياء خطر أُولئك الأعداء. فعلى أيّ حال، فهذه الآية ومع الإلتفات إلى سبب النزول المذكور آنفاً تُعدُّ أعظم الفضائل لإمام علي (عليه السلام) الواردة في ااكثر المصادر الإسلامية، وكانت في صدر الإسلام من الوضوح بين المسلمين بحيث دعت معاويه العدو اللّدود للإمام علي (عليه السلام) أن يُرشي (سمرة بن جندب) بأربعمائة ألف درهم كي يروي حديثاً مختلطاً ينسب فيه فضيلة هذه الآية إلى عبدالرحمن ابن ملجم، وقد اختلق هذا المنافق الجاني هذه الفرية، ولكنّ أحداً لم يقبل منه حديثه المجعول(3). ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ يبعها ويبذلها ﴿ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾ نزلت في علي (عليه السلام) حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الغار وبات على فراشه يفديه بنفسه ﴿وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.