ثمّ يستمر بدعائه ومناجاته (ربّنا إنّي أسكنت من ذريّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربّنا ليقيموا الصلاة).
وكان ذلك عندما رزقه الله إسماعيل من جاريته "هاجر" فأثار ذلك حسد زوجته الأُولى "سارة" ولم تستطيع تحمّل وجود هاجر وإبنها، فطلبت من إبراهيم أن يذهب بهما إلى مكان آخر، فإستجاب لها إبراهيم طبقاً للأوامر الإلهيّة، وجاء بإسماعيل واُمّه إلى صحراء مكّة القاحلة، ثمّ ودّعهم وذهب.
ولم يمض قليل من الوقت حتّى عطشت الاُمّ وإبنها في تلك الشمس المحرقة، وسعت هاجر كثيراً في إنقاذ إبنها، ولكنّ الله تعالى أراد أن تكون تلك الأرض قاعدة عظيمة للعبادة فأظهر عين زمزم، ولم يمض وقت حتّى علمت قبيلة "جرهم" البدوية التي كانت قريبة منهم بالأمر، فرحلوا وأقاموا عندهم، فأخذت مكّة بالتحضّر شيئاً فشيئاً.
ثمّ يتابع إبراهيم (عليه السلام) دعاءه: إلهي، انّ أهلي قد سكنوا في هذه الصحراء المحرقة إحتراماً لبيتك المحرّم: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلّهم يشكرون).
﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي﴾ بعضها وهو إسماعيل ومن ولد منه قال الباقر (عليه السلام) نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا ﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ هو وادي مكة ﴿عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ الذي حرمت التعرض له أو منعت منه الطوفان ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ عند بيتك ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي﴾ تحن وتميل ﴿إِلَيْهِمْ﴾ قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى ﴿وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ لك فأجاب الله دعاءه.