التّفسير
تبديل نعمة الله بالعذاب الأليم:
تشير هذه الآية إلى أحد مصاديق الآيات السابقة، لأنّ الحديث في الآيات السابقة كان يدور حول المؤمنين والكافرين والمنافقين، وأنّ الكافرين كانوا يتجاهلون آيات الله وبراهينه الواضحة ويتذّرعون بمختلف الحجج والمعاذير، وبني إسرائيل مصداق واضح لهذا المعنى، وتقول الآية: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة).
ولكنّهم تجاهلوا وتغافلوا عن هذه الآيات والعلائم الواضحة وأنفقوا المواهب الإلهيّة والنعم الربانية في أساليب مذمومة ومنحرفة، ثمّ تقول الآية (ومن يبدّل نعمة الله من بعد ما جاءته فإنّ الله شديد العقاب).
والمراد من (تبديل النعمة) هو استخدام الإمكانات والطّاقات والمصادرالماديّة والمعنويّة الموهوبة على طريق تخريبي إنحرافي وممارسة الظلم والطغيان، فقد وهب الله سبحانه وتعالى مواهب كثيرة لبني إسرائيل من قبيل الأنبياء والقادة الشجعان والإمكانات الماديّة الكثيرة، ولكنّهم لم ينتفعوا من أنبياءهم الإلهيّين، ولا استفادوا من المواهب الماديّة استفادة صحيحة، وبهذا ارتكبوا معصية تبديل النّعمة ممّا سبّب لهم أنواع العذاب الدنيوي، كالتيه في الصحراء وكذلك العذاب الاُخروي الأليم.
وعبارة (سل بني إسرائيل) في الحقيقة تستهدف كسب الإعتراف منهم بشأن النعم الإلهيّة، ثمّ التفكير بالسّبب الّذي أدّى بهم إلى الهاوية والتمزّق مع كلّ هذه الإمكانات ليكونوا عبرة للمسلمين ولكلّ مَن لا ينتفع بالمواهب الإلهيّة بصورة سليمة.
ولاتنحصر مسألة تبديل النّعمة والمصير المؤلم لها ببني إسرائيل، بل أنّ جميع الأقوام والشّعوب إذا ارتكبت مثل هذه الخطيئة سوف تبتلي بالعذاب الإلهي الشديد في الدنيا وفي الآخرة.
فالعالم المتطوّر صناعيّاً يعاني اليوم من هذه المأساة الكبرى، فمع وفور النعم والطاقات لدى الإنسان المعاصر وفوراً لم يسبق له مثيل في التاريخ نجد صوراً شتّى من تبديل النعم وتسخيرها بشكل فضيع في طريق الإبادة والفناء بسبب ابتعادهم عن التعاليم الإلهيّة للأنبياء، حيث حوّروا هذه النعم إلى أسلحة مدمّرة من أجلّ بسط سيطرتهم الظالمة واستعمارهم للبلدان الاُخرى، وبذلك جعلوا من الدنيا مكاناً غير آمن، وجعلوا الحياة الدنيا غير آمنة من كلّ ناحية.
(نعمة الله) في هذه الآية قد تكون إشارة إلى الآيات الإلهيّة وتبديلها يعني تحريفها، أو يكون المعنى أوسع وأشمل من ذلك حيث يستوعب كلّ الإمكانات والمواهب الإلهيّة، والمعنى الثاني أرجح.
﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أمر للرسول أو لكل أحد والسؤال تقريع ﴿كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ﴾ نعمة ﴿بَيِّنَةٍ﴾ معجزة واضحة على أيدي أنبيائهم أو حجة في الكتب على صدق محمد ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ﴾ آياته ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ﴾ وعرفها ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ له أو لمن عصاه.