التّفسير
طلب نزول الملائكة:
تبتدىء الآيات بتبيان موقف العداء الأعمى والتعصب الأصم للقرآن الحكيم والنّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الكفار، فتقول: (وقالوا يا أيّها الذي نزّل عليه الذكر إنّك لمجنون).
ومن خلال كلامهم يظهر بجلاء مدى وقاحتهم وسوء الأدب الذي امتازوا به حين مخاطبتهم للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتارة يقولون: (يا أيّها الذي)، وأُخرى: (نُزّل عليه الذكر) بصيغة الهزؤ والإِنكار لآيات اللّه سبحانه، وثالثة: يستعملون أدوات التوكيد "إِن" ولام القسم ليتّهموا أشرف خلق اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)بالجنون!!
نعم، الخصم المريض الجاهل حينما يقابل حكيماً لا نظير له، فأوّل ما يرميه بالجنون، لأنّه ينطلق من جهله الذي لا يستوعب الحكمة والمعقول، فيرى كل ما فوق تصوره القاصر غير معقول، ويوصم خصمه بالمجنون!!
هؤلاء الاشخاص لديهم تعصب خاص نحو كل ما ألفوه في محيطهم الاجتماعي حتى وإن كان ضلالا وانحرافاً، لذا تراهم يواجهون كل دعوة جديدة على أساس أنّها غير معقولة، فهم يخشون من كل جديد، ويتمسكون بشدّة بالعادات والتقاليد القديمة.
أضف إِلى ذلك، أنْ مَنْ استهوته الدنيا وعاش لها لا يفقه المعاني الروحية والقيم الإِنسانية ويوزن كل شيء بالمعايير المادية، فإذا شاهد شخصاً يضحي بكل شيء وحتى بنفسه لأجل أنْ يصل إِلى هدف معنوي، فسوف لا يصدّق بأنّه عاقل، لأن العقل في عرفهم هو ما يصيب: المال الوافر، الزوجة الجميلة، الحياة المرفهة، والوجاهة الكاذبة!!
وعليه، فحينما يرون رجلا قد عرضت عليه الدنيا بكل ما يحلمون به فأبى أن يقبلها بقوله: "واللّه لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته" فسيقولون عنه: إنّه لمجنون!!
الملفت في التهم الموجهة إِلى أنبياء اللّه تعالى أنّها تحمل بين طياتها تضاداً واضحاً يُلمس بأدنى تدبر، ففي الوقت الذي يرمون النّبي بالمجنون يعودون ويقولون عنه: إِنّه لساحر، فمع أن الساحر لابدّ له من الذكاء والنباهة، فهل يعقل أن يكون الساحر، مجنوناً؟!!
إنّهم لم يكتفوا بنسبة الجنون إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل تحججوا قائلين: (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين).
﴿وَقَالُواْ﴾ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تهكما ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ القرآن في زعمه ﴿إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ إذ تدعي أنه نزل عليك.