لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فتنطق الحكمة الإِلهية جواباً: (وإِن من شيء إِلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إِلاّ بقدر معلوم). فليست قدرتنا محدودة حتى نخاف نفاذ ما نملك، وإِنّما منبع ومخزن وأصل كل شيء تحت أيدينا، وليس من الصعب علينا خلق أي شيء وبأي وقت يكون، ولكنّ الحكمة إقتضت أن يكون كل شيء في هذا الوجود خاضعاً لحساب دقيق، حتى الأرزاق إِنّما تنزل إِليكم بقدر. ونقرأ في مكان آخر من القرآن: (ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء)(6). إِنّ السعي والكدح في صراع الحياة يضفي على حركة الإِنسان الحيوية والنشاط، وهو بقدر ما يعتبر وسيلة سليمة ومشروعة لتشغيل العقول وتحريك الأبدان، فإِنه يطرد الكسل ويمنع العجز ويحيي القلب للتحرك والتفاعل مع الآخرين... وإِذا ما جعلت الأرزاق تحت اختيار الإِنسان بما يرغب هو لا حسب التقدير الرباني، فهل يستطيع أحد أن يتكهن بما سيؤول إِليه مصير البشرية؟ فيكفي لحفنة ضئيلة من العاطلين، ذوي البطون المنتفخة، وبدون أيّ وازع انضباطي، يكفيهم لأن يعيثوا في الأرض الفساد. لماذا؟ لأنّ الناس ليسوا كالملائكة، بل هناك الأهواء التي تلعب بالقلوب والمغريات التي تُدني إِلى الإِنحراف. لقد اقتضت الحكمة الرّبانية أن يكون الإِنسان حاملا لجميع الصفات الحسنة والسيئة، ويمتحن على هذه الأرض بما يحمل، وبماذا يعمل، وعن ماذا يتجاوز؟... والسعي والحركة لما هو مشروع، المجال الأمثل للإِمتحان. والفقر والغنى من البلاء الذي يدخل ضمن مخطط التمحيص والإمتحان، فكما أنّ الفقر والعوز قد يجران الإِنسان نحو هاوية السقوط في مهالك الإِنحراف، فكذلك الغنى في كثير من حالاته يكون منشأً للفساد والطغيان. بحوث 1 - ما هي خزائن اللّه تعالى؟ نقرأ فى آيات القرآن أن: للّه عزَّ وجلّ خزائن، للّه خزائن السماوات والأرض، بيده خزائن كل شيء... فما هي خزائنه تعالى؟ "الخزائن" لغةً جمع "خزانة": وهي المكان المخصص لحفظ وتجميع المال. وهي من مادة (خَزَنَ) على وَزْنِ (وَزَنَ) بمعنى: حفظ الشيء وحبسه. بديهي، أن مَنْ كانت قدرته محدودة وغير قادر على أن يهيء لنفسه كل ما يحتاج إِليه على الدوام، يبدأ بجمع ما يملك وخزنه لوقت الحاجة إِليه مستقبلا. وهل يمكن تصور ذلك في شأنه سبحانه!!؟ الجواب بالنفي قطعاً... ولهذا فسّر جمع من المفسّرين أمثال العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان) والفخر الرازي في (تفسيره الكبير) والراغب في (المفردات)، فسّروا خزائن اللّه بمعنى (مقدورات اللّه)، يعني: أنّ كل شيء جمع في خزانة قدرة اللّه، وكل ما يخطه ضرورة أو صلاحاً لمخلوقه يخلقه بقدرته. وقد فسّر بعض كبار المفسّرين "خزائن اللّه" بأنّها: (مجموع ما في الكون من أصوله وعناصره وأسبابه العامّة المادية، ومجموع الشيء موجود في مجموع خزائنه لا في كل واحد منها)(7). هذا التّفسير وإِن كان مقبولا من الناحية الأصولية ولكنّ تعبير "عندنا" ينسجم أكثر مع التّفسير الأوّل. وانَّ عبارة "خزائن اللّه" وما شابهها لا تصف مقام الرب وشأنه الجليل، ولا يصح أن نعتبرها بعين معناها، وإِنّما استعملت للتقريب، من باب تكلم الناس بلسانهم، ليكونوا أكثر قرباً للسمع وأشد فهماً للمعنى. وذكر بعض المفسّرين أنّ "خزائن" تختص بالماء والمطر، ولكن من الواضح حصر مفهوم "خزائن" بهذا المصداق المحدد تقييد بلا مقيد لإِطلاق مفهوم الآية، وهو خال من أيِّ دليل أو قرنية. 2 - النّزول مكانيّ ومقامى كما بيّنا سابقاً أن النّزول لا يرمز إِلى الحالة المكانية دوماً (أيْ النّزول من مكان عال إِلى أسفل)، بل يرمز إِلى النّزول المقامي في بعض الموارد، فمثلا... في حال وصول نعمة من شخص ذي شأن إِلى من هم أقل منه شأناً، فإنّه يعبر عنها بالنّزول. وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن الكريم في مورد النعم الإِلهية، سواء كانت نازلة من السماء إِلى الأرض كالمطر، أو ما يتوالد على الأرض كالحيوانات، وهذا ما نلاحظه في الآية السادسة من سورة الزمر (وأنزلنا لكم من الأنعام ثمانية أزواج)، وكذلك في الآية الخامسة والعشرين من سورة الحديد، بشأن الحديد، (وأنزلنا الحديد) ... الخ. خلاصة القول: إِنّ (نزول) و(إِنزال) هنا بمعنى وجود وإِيجاد وخلق ، وما استعمال هذا اللفظ إِلاّ لأنّها نعم اللّه عزَّ وجلّ التي وهبها لعباده. ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ أي القدرة على إيجاده متضاعفا إلى ما لا نهاية له والخزائن تمثيل لاقتداره تعالى ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾ نوجده ﴿إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ تقتضيه الحكمة.