التّفسير
دور الرّياح والأمطار:
بعد أن عرض القرآن الكريم في الآيات السابقة قسماً من أسرار الخليقة والنعم الإِلهية كخلق الأرض والجبال والنباتات وما تحتاجه الحياة من مستلزمات، يشير في أولى الآيات المبحوثة إلى حركة الرياح وما لها من آثار في عملية نزول المطر، فيقول: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين).
"لواقح" جمع "لاقح" ... وهي تشير هنا إِلى دور الرياح في تجميع قطع الحساب مع بعضها لتهيئة عملية سقوط الأمطار.
وقد ذهب بعض العلماء المعاصرين إِلى أن الآية تشير إِلى عملية تلقيح النباتات بواسطة الرياح، وبها يستدلون على الإِعجاز العلمي للقرآن، على اعتبار أن عصر نزول القرآن ما كان يحظى بما وصل إِليه عصرنا من العلوم الحديثة، وأنّ إِخبار القرآن بهذه الحقيقة العلمية (علمية التلقيح) من ذلك الوقت لدليل على إِعجازه العلمي.
مع قبولنا بحقيقة تلقيح النباتات ودور الرياح فيها، إِلاّ أنّنا لا نرى ما يشير لما ذهب إِليه علماء اليوم لسببين:
الأوّل: وجود قرينة نزول المطر بعد كلمة لواقح مباشرة.
ثانياً: وجود فاء السببية بينها (بين لواقح ونزول المطر).
ممّا يبيّن بشكل جلي أن تلقيح الرياح يعقبه نزول المطر.
ويعتبر ما جاء في الآية المباركة من روائع الكلم، حيث شبّه قطع الحساب بالآباء والأمهات يتم تزاوجهم بأئر الرياح، فتحمل الأُمهات، ثمّ تلقي بما حملت (قطرات المطر) إلى الأرض.
ويمكن حمل (ما أنتم له بخازنين) على أنّها إِشارة لخزن ماء المطر في السحب قبل نزوله، أي إِنّكم لا تستطيعون استملاك السحب التي هي المصدر الأصلي للأمطار.
ويمكن حملها على أنّها إِشارة إِلى جمع وخزن الأمطار بعد نزولها، أي إِنّكم لا تقدرون على جمع مياه الأمطار بمقادير كبيرة حتى بعد نزوله، وأنّ اللّه عزَّوجلّ هو الذي يحفظها ويخزنها على قمم الجبال بهيئة ثلوج، أو ينزلها في أعماق الأرض لتكون بعد ذلك عيوناً وآباراً.
﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ﴾ وقرىء الريح ﴿لَوَاقِحَ﴾ ملقحات للسحاب أو الشجر أو لاقحات أي حوامل للسحاب أو الماء ﴿فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ جعلناه لكم سقيا ﴿وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ أي ليس عندكم خزائنه أو لا تقدرون على حفظه في العيون والآبار.