لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وكما هو معهود من الأسلوب القرآني، تأتي العبارات العنيفة حين تتحدث عن الغضب والعذاب الإِلهي لتمنع من سوء الإِستفادة من الرحمة الإِلهية، ولتوجد التعادل بين مسألتي الخوف والرجاء، الذي يعتبر رمز التكامل والتربية فيقول وبدون فاصلة: (وأنّ عذابي هو العذاب الأليم). بحوث 1 - رياض وعيون الجنّة: إِنّ فهم واستيعاب أبعاد النعم الإِلهية التي تزخر بها الجنّة ونحن نعيش في هذا العالم الدنيوي المحدود، يعتبر أمراً صعباً جداً، بل ومن غير الممكن، لأنّ نعم هذا العالم بالنسبة لنعم الآخرة كنسبة الصفر إِلى رقم كبير جدّاً... ومع ذلك فلا يمنع من أن نحس ببعض أشعتها بفكرنا وروحنا. إِنّ القدر المسلم بهذا الخصوص، هو أنّ النعم الأخروية متنوعة جدّاً، وينطق بهذه الحقيقة التعبير بال- "جنات" في الآيات المتقدمة وغيرها من الآيات الأُخر، وكذلك التعبير بال- "عيون". لقد ورد في القرآن الكريم (في سور الإِنسان، الرحمن، الدخان، محمد وغيرها) إِشارة إِلى أنواع مختلفة من هذه العيون، واشير الى تنوعها بإِشارات صغيرة، ولعل ذلك تصوير لأنواع الأعمال الصالحة في هذا العالم، وسنشير إِلى هذا الأمر إِن شاء اللّه عند تفسيرنا لهذه السور. 2 - النّعم المادية وغير المادية: على خلاف ما يتصور البعض... فإِنّ القرآن لم يبشر الناس دائماً بالنعم المادية للجنّة فقط، بل تحدث مراراً عن النعم المعنوية أيضاً، والآيات مورد البحث نموذج واضح لذلك حيث نرى أن اول ما يواجه أهل الجنّة هناك هو الترحيب والبشارة من الملائكة لأهل الجنّة عند دخولهم فيها (ادخلوها بسلام آمين). ومن النعم الروحية الأُخرى التي أشارت إِليها هذه الآيات... تطهير الصدور من الأحقاد وكل الصفات المذمومة كالحسد والخيانة وما شابهها، والتي تذهب بروح الأخوة. وكذلك حذف الإِعتبارات والإمتيازات الإِجتماعية المغلوطة التي تخدش استقرار فكر وروح الإِنسان، وهو ما ذكره في وصف جلساتهم. ومن نافلة القول... أن (السلامة) و(الأمن) المجعولتين على رأس النعم الأخروي، هما أساس لكل نعمة أُخرى، ولا يمكن الإِستفادة الكاملة من أية نعمة بدونهما وهذا ما ينطبق حتى على الحياة الدنيا، فالأمن والسلام أساس لكل نعيم ورخاء وإلاّ فلا. 3 - الحقد والحسد عدوّا الأخوة: من لطيف ما يلاحظ في هذه الآيات أنّها بعد أن ذكرت نعمة السلامة والأمن، وقبل أن تتعرض لبيان حال الأخوّة والألفة التي سيكون عليها أهل الجنّة، أشارت إِلى مسألة نزع الصفات المانعة للأخوّة، كالحقد والحسد والغرور والخيانة، جامعة كل ذلك بكلمة "الغل" ذات المفهوم الواسع. وفي الحقيقة، إِنّ قلب الإِنسان ما لم يطهر من هذا "الغل" فسوف لا تتحقق نعمة السلامة والأمن ولا الأخوّة والمحبّة، بل الحروب والمظالم والمجابهات والصراعات على الدوام، وهو ما يؤدي إِلى قلع جذور الأخوّة والسلامة والأمن من الحياة. 4 - الجزاء الكامل: يقول بعض المفسّرين: إِنّ الجزاء لا يكتمل إِلاّ بأربعة اُمور: منافع وخيرة، أن تكون مقرونة بالإِحترام، خالية من أيّ ألم، دائمة وخالدة. وقد أشارت الآيات مورد البحث إِلى هذه الأُمور الأربعة... فعبارة (إِنّ المتقين في جنات وعيون) إِشارة إِلى المنفعة الأُولى. وعبارة (ادخلوها بسلام آمنين) دليل على الإحترام والتقدير. وعبارة (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) إِشارة إِلى نفي أي نوع من الآلام والمعاناة الروحية (النفسية). وعبارة (لا يمسهم فيها نصب) إِشارة إِلى نفي الآلام الجسمانية. أمّا عبارة (وما هم منها بمخرجين) فهي حاكية عن آخر شرط، وهو دوام وبقاء النعم. وبهذا يكون هذا الجزاء والثواب كاملا من كل الجهات(3). 5 - تعالو لنجعل من هذه الدنيا جنّة: إِنّ النعم المادية والروحية الأخروية التي صورتها الآيات السابقة في حقيقتها تشكل أصول النعم لهذا العالم، ولعل القرآن الكريم يريد أن يفهمنا بأنّنا يمكن أن نوجد جنّة صغيرة في حياتنا تكون شبيهة بتلك الجنّة الكبيرة، فيما لو استطعنا أن نوفر شرائطها المطلوبة اللازمة. فلو طهرنا قلوبنا من الحقد والعداوة. وقوّينا بيننا روابط الأخوّة والمحبة. و حذفنا من حياتنا تلك الإِعتبارات واشكال الترف الزائدة والمفرقة. وإِذا ما عملنا لتحقيق الأمن والسلام في مجتمعنا. وإذا أدرك الناس بأنّه لا استعباد ولا استغلال ولا طبقية فيما بينهم... فإِنّنا - والحال هذه - سنكون في جنّة الحياة الدنيا!!!! ﴿وَأَنَّ عَذَابِي﴾ لمستحقيه ﴿هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ﴾ الآيتان تقرير لما مر من الوعد والوعيد.