لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير التضحية بالنفس والمال: الآية السابقة تناولت مسألة الإنفاق بالأموال، وهذه الآية تدور حول التضحية بالدم والنفس في سبيل الله، فالآيتان يقترن موضوعهما في ميدان التضحية والفداء، فتقول الآية (كُتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم). التعبير بكلمة (كُتِب) إشارة إلى حتميّة هذا الأمر الإلهي ومقطوعيّته. (كُره) وإن كان مصدراً، إلاّ أنّه استُعمل هنا باسم المفعول يعني مكروه، فالمراد من هذه الجملة أنّ الحرب مع الأعداء في سبيل الله أمر مكروه وشديد على الناس العاديّين، لأنّ الحرب تقترن بتلف الأموال والنفوس وأنواع المشقّات والمصائب، وأمّا بالنّسبة لعشّاق الشّهادة في سبيل الحقّ ومن له قدم راسخ في المعركة فالحرب مع أعداء الحقّ بمثابة الشراب العذب للعطشان، ولاشكّ في أنّ حساب هؤلاء يختلف عن سائر الناس وخاصّةً في بداية الإسلام. ثمّ تشير هذه الآية الكريمة إلى مبدأ أساس حاكم في القوانين التكوينيّة والتشريعيّة الإلهيّة وتقول: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). وعلى العكس من تجنّب الحرب وطلب العافية وهو الأمر المحبوب لكم ظاهراً، إلاّ أنّه (وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شر لكم). ثمّ تضيف الآية وفي الختام (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فهنا يؤكّد الخالق جلّ وعلا بشكل حاسم أنّه لا ينبغي لأفراد البشر أن يحكّموا أذواقهم ومعارفهم في الاُمور المتعلّقة بمصيرهم، لأنّ علمهم محدود من كلّ جانب ومعلوماتهم بالنّسبة إلى مجهولاتهم كقطرة في مقابل البحر، وكما أنّ الناس لم يُدركوا شيئاً من أسرار الخِلقة في القوانين التكوينيّة الإلهيّة، فتارةً يهملون شيئاً ولا يعيرونه اهتماماً فيحين أنّ أهميّته وفوائده في تقدّم العلوم كبيرة، وهكذا بالنسبة إلى القوانينالتشريعيّة فالإنسان لا يعلم بكثير من المصالح والمفاسد فيها، وقد يكرهشيئاً في حين أنّ سعادته تكون فيه، أو أنّه يفرح لشيء ويطلبه في حين أنّهيستبطن شقاوته. فهؤلاء النّاس لايحقّ لهم مع الإلتفات إلى علمهم المحدود أن يتعرضوا على علم الله اللاّمحدود ويعترضوا على أحكامه الإلهيّة، بل يجب أن يعلموا يقيناً أنّ الله الرّحمن الرحيم حينما يُشرّع لهم الجهاد والزكاة والصوم والحجّ فكلّ ذلك لما فيه خيرهم وصلاحهم. ثمّ أنّ هذه الحقيقة تعمق في الإنسان روح الإنضباط والتسليم أمام القوانين الإلهيّة وتؤدي إلى توسعة آفاق إدراكه إلى أبعد من دائرة محيطه المحدود وتربطه بالعالم اللاّمحدود يعني علم الله تعالى. بحوث 1- لماذا كان الجهاد مكروهاً وهنا يمكن أن يُطرح هذا السؤال وهو أنّ الجهاد الّذي هو أحد أركان الشّريعة المقدّسة والأحكام الإلهيّة كيف أصبح مكروهاً في طبع الإنسان مع أنّنا نعلم أنّ الأحكام الإلهيّة اُمور فطريّة وتتوافق مع الفطرة، فالمفروض على الاُمور المتوافقة مع الفطرة أن تكون مقبولة ومطلوبة؟ في الجواب عن هذا السؤال يجب الإلتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّ المسائل والاُمور الفطريّة تتناغم وتوافق مع طبع الإنسان إذا اقترنت بالمعرفة، مثلاً الإنسان يطلب النّفع ويتجنّب الضرر بفطرته، ولكنّ هذا يتحقّق في موارد أن يعرف الإنسان مصاديق النفع والضرر بالنّسبة له، فلو اشتبه عليه الأمر في تشخيص المصداق ولم يُميّز بين الموارد النافعة من الضّارة، فمن الواضح أنّ فطرته ونتيجة لهذا الإشتباه سوف تكره الأمر النافع، والعكس صحيح. وفي مورد الجهاد نجد أنّ الأشخاص السطحيّين لا يرون فيه سوى الضرب والجرح والمصائب، ولهذا قد يكون مكروهاً لديهم وأمّا بالنسبة إلى الأفراد الّذين ينظرون إلى أبعد من هذا المدى المحدود فإنهم يعلمون أنّ شرف الإنسان وعظمته وافتخاره وحريّته تكمن في الإيثار والجهاد، وبذلك يرحّبون بالجهاد ويستقبلوه بفرح وشوق، كما هو الحال في الأشخاص الّذين لا يعرفون آثار الأدوية المرّة والمنفرّة، فهم في أوّل الأمر يظهرون عدم رغبتهم فيها، إلاّ أنّهم بعد أن يروا تأثيرهاالإيجابي في سلامتهم ونجاتهم من المرض، فحين ذاك يتقبّلوا الدّواء برحابة صدر. 2- القانون الكلّي ما ورد في الآية الشريفة آنفاً لا ينحصر بمسألة الجهاد والحرب مع الأعداء، بل أنّ الآية تكشف عن قانون كلّي وعام، وهو أنّ الآية تجعل من جميع الشدائد والمصاعب في سبيل الله سهلة وميسورة ولذيذة للإنسان بمقتضى قوله تعالى (والله يعلم وأنتم لا تعلمون). فعلم الله تعالى ورحمته ولطفه لعباده يتجلّى في كلّ أحكامه المقدّسة فيرى ما فيه نجاتهم وسعادتهم، وعلى هذا الأساس يستقبل المؤمنون هذه الأوامر والأحكام الإلهيّة فيعتبروها كالأدوية الشافية لهم ويطبّقونها بمنتهى الرضا والقبول. ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ طبعا والوصف بالمصدر للمبالغة ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ في المال إذ فيه الظفر أو الشهادة ﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا﴾ وهو ترك الجهاد والحياة ﴿وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ إذ فيه الذل وحرمان الأجر ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ﴾ ما يصلحكم ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك فامتثلوا ما أمرتم به وإن لم تعرفوا الحكمة.