ثمّ يواسي اللّه تعالى نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)... أنْ لا تقلق من وحشية الأعداء وكثرتهم وما يملكون من إِمكانات مادية واسعة، لأنّ اللّه أعطاك ما لا يقف أمامه شيء (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم).
وكما هو معلوم، فإِنّ "السبع" هم العدد سبعة، و"المثاني" هو العدد اثنان، ولهذا اعتبر أكثر المفسّرون أنّ "سبعاً من المثاني" كناية عن سورة الحمد، والرّوايات كذلك تشير لهذا المعنى.
والداعي لذلك كونها تتأليف من سبع آيات، لأهميتها وعظمة محتواها فقد نزلت مرتين على النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو لأنّها تتكون من قسمين (فنصفها حمد وثناء للّه عزَّ وجلّ والنصف الآخر دعاء عبادة)، أو لأنّها تقرأ مرّتين في كل صلاة(4).
واحتمل بعض المفسّرين أن "السبع" إِشارة إِلى السور السبع الطول التي ابتدأ بها القرآن، و"المثاني" كناية عن نفس القرآن، لأنّه نزل مرتين على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مرّة بصورة كاملة، وأُخرى نزل نزولا تدريجياً حسب الإِحتياج إِليه في أزمنة مختلفة.
وعلى هذا يكون معنى (سبعاً من المثاني) سبع سور مهمات من القرآن.
ودليلهم في ذلك الآية الثّالثة والعشرون من سورة الزمر، حيث يقول تعالى: (اللّه نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني)، أيْ مرتين على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صواباً، خصوصاً وأنّ روايات أهل البيت(عليهم السلام)تشير إِلى أنّ "السبع المثاني" هي سورة الحمد.
واعتبر الراغب في مفرداته أنّ كلمة "المثاني" أطلقت على القرآن لما يتكرر من قراءة آياته، وهذا التكرار هو الذي يحفظه من التلاعب والتحريف (إِضافة إِلى أنّ حقائق القرآن تتجلى في كل زمان بشكل جديد ينبغي له أن يوصف بالمثاني).
وعلى أية حال، فذكر عبارة "القرآن العظيم" بعد ذكر سورة الحمد، بالرغم من أنّها جزء منه، دليل آخر على شرف وأهمية هذه السورة المباركة، وكثيراً ما يذكر الجزء مقابل الكل لأهميته، وهو كثير الإستعمال في الأدب العربي وغيره.
وخلاصة المطاف أنّ اللّه تعالى قد صرّح لنبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّك قد ملكت سنداً عظيماً (القرآن)، ولا تستطيع أي قوة في عالم الوجود أن تصرعه.
سنداً كلّه نور، بركة، دروس تربوية، برامج عملية، هداية وتسديد، وبالذات سورة الفاتحة منه التي لها من المحتوى والأثر بحيث لو ارتبط العبد بربّه ولو للحظة واحدة لحلّقت روحه لساحة قدس الرّب، وهي تعيش حال التعظيم والتسليم والمناجاة والدّعاء.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا﴾ هي الفاتحة وقيل السور السبع الطوال ﴿مِّنَ الْمَثَانِي﴾ بيان للسبع وهي من الثناء لأنها يثني على الله أو من التثنية لأنها تثنى تلاوتها أو ألفاظها ﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ من عطف الكل على الجزء، وعنهم (عليهم السلام) نحن المثاني التي أعطاها الله نبيه، أقول وجهه أن أسماءهم بعد إسقاط المكرر سبع وأنهم ثاني الثقلين.