لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ يعطي اللّه نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) آخر أمر في هذا الشأن: (واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين). المعروف والمشهور بين المفسّرين أنّ المقصود من "اليقين" هنا الموت، وسُمّي باليقين لحتميته، فربما يشك الإِنسان في كل شيء، إِلاّ الموت فلا يشك فيه أحد قط. أو لأنّ الحجب تزال عن عين الإِنسان عند الموت فتتّضح الحقائق أمامه ويحصل له اليقين. وفي الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من سورة المدّثر نقرأ عن لسان أهل جهنم: (وكنّا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) أي الموت. ومن هنا يتّضح خطأ ما نقل عن بعض الصوفية من أنّ الآية أعلاه دليل على ترك العبادة، فقالوا: أعبد اللّه حتى تحصل على درجة اليقين، فإِذا حصلت عليها فلا حاجة للعبادة بعدها!! ونقول: أوّلا: اليقين هنا بمعنى الموت بشهادة الآيات القرآنية المشار إِليها، وهو ما يحصل للمؤمن والكافر سواء. ثانياً: المخاطب بهذه الاية هو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومقام اليقين للنّبي من المسلمات، وهل يجرؤ أحد أن يدّعي أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يصل لدرجة اليقين، حتى يخاطب بالآية المذكورة؟!!!! ثانياً: المقطوع به أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك العبادة حتى آخر لحظات عمره الشريف، وكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي(عليه السلام) وهو المستشهد في المحراب، وهو ما سار عليه بقية الأئمّة(عليهم السلام). بحوث 1 - بداية الدعوة العلنية للإِسلام المستفاد من بعض الرّوايات أنّ الآيتين (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين إِنّا كفيناك المستهزئين) نزلتا في مكّة بعد أنْ قضى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث سنوات في الدعوة السرية لرسالته، ولم يؤمن به إِلاّ القليل من المقربين إليه، وأول مَنْ آمن من النساء خديجة(عليها السلام) ومن الرجال علي(عليه السلام). من البديهي، أنّ الدعوة إِلى التوحيد الخالص المصاحبة لتحطيم نظام الشرك وعبادة الأصنام في تلك البيئة وفترتها كانت في الواقع عملا عجيباً ومخيفاً، واستهزاء المشركين وسخريتهم كان معلوماً عند اللّه من قبل أن يُمارس، ولهذا أراد اللّه تعالى تقوية قلب نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) كي لا يخشى المستهزئين، ويعلن رسالته بكل قوّة على الملأ ويشرع بجهاد منطقي معهم(2). 2 - الأثر الرّوحي لذكر اللّه إِنّ حياة الإِنسان (كانت وما زالت) زاخرة بالمشاكل بحسب ما تقتضيه طبيعة الحياة الدنيا، وكلما علا الإِنسان درجة كثرت مشاكله وتعددت، ومن هنا نفهم شدة ما واجهه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من مشاكل وصعاب في طريق دعوته الكبيرة. ويكون العلاج الرّباني لتجاوز العقبات عبارة عن محاولة تحصيل القوة من مصدرها الحق مع التحلي بسعة الصدر،فيأمر نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتسبيح والذكر والدعاء والسجود، لما للعبادة من أثر عميق في تقوية روح الأِنسان وإِيمانه وإِرادته. ونستفيد من روايات مختلفة أنّ الأئمّة(عليهم السلام) إِذا واجهتهم المصاعب الشداد والبلاء، لجؤوا إِلى اللّه وشرعوا بالعبادة والدعاء، كي يستمدوا القوة من معينها الأصيل. 3 - العبادة والتكامل وكما هو معلوم فإِنّ الإِنسان قد بدأ انطلاقته في الحياة من نقطة العدم ولا يزال يسير نحو المطلق، ولن تتوقف عجلة تكامله (مادام مداوماً على الطريق) كما أنّه يمتلك مقومات السير ويمتاز بقابلية فائقة واستعداد كامل في طلبه للتكامل، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى تعتبر العبادة مدرسة عالية للتربية، لأنّها توقظ عقل الإِنسان، وتوجه فكره نحو المطلق، وتغسل غبار الذنوب والغفلة من قلبه وروحه، وتنمي فيه الصفات الإِنسانية الرفيعة، وتقوي إِيمانه وتجعله أكثر وعياً واكبر مسؤولية. فلا يمكن للإِنسان الواقعي أن يستغني عن هذه المدرسة الراقية، أمّا الذين يعتقدون بأنّ الإِنسان قد يصل إِلى درجة معينة لا يحتاج عندها إِلى العبادة، فأُولئك إِمّا أنّهم يعتبرون عملية تكامل الإِنسان محدودة وتنتهي بحدّ معين، أو أنّهم لم يدركوا معنى العبادة حقّاً. وللعلاّمة الطّباطبائي(رحمه الله) في تفسير الميزان بيان بهذا الشأن، إِليك ملخصه، (إِن كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية، وكذلك الإِنسان له غاية تكاملية لا ينالها إِلاّ بالإجتماع المدني، ولهذا فهو إجتماعي بالطبع، وإنْ تحقق هذا الإجتماع فسيحتاج أفراد المجتمع إِلى أحكام وقوانين يتنظم باحترامها والعمل بها شتات أُمورهم، وترتفع بها اختلافاتهم الضرورية، ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له، ويحوز بها سعادته وكماله الوجودية. وبعبارة أُخرى: إِن كان المجتمع الإِنساني صالحاً أمكن لأفراده الوصول إِلى هدفهم النهائي في الكمال، وإِنْ فسد المجتمع تخلف أفراده عن هذا التكامل. وإِنَّ هذه الأحكام والقوانين سواء كانت إِجتماعية أو عبادية، لا تكون مؤثرة إِلاّ إِذا أخذت من طريق النّبوة والوحي السماوي لا غير. ونعلم أيضاً أنّ الأحكام العبادية تشكل جزءاً من هذا التكامل الفردي والإجتماعي. وبهذا يتبيّن أنّ التكليف الإِلهي يلازم الإِنسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية، وأن تجويز ارتفاع التكليف ملازم لتجويز تخلفه عن الأحكام والقوانين، وهذا يوجب فساد المجتمع!! ومن الجدير بالملاحظة أنّ الأعمال الصالحة والعبادات منبع للملكات النفسانية الفاضلة فإِذا أُديت هذه الأعمال بقدر كاف، وقويت تلك الملكات الفاضلة في نفس الإِنسان، فستكون نفسها منبعاً جديداً لأعمال صالحة أكثر وطاعات وعبادات أفضل. ومن هنا يظهر فساد ما ربّما يتوهّم أنّ الغرض من التكليف هو تكميل الإِنسان فإِذا كَمُلَ لم يكن لبقاء التكليف معنى، وما ذلك إِلاّ مغالطة ليس أكثر، لأنّ الإِنسان لو تخلف عن التكليف الإِلهي فإِنّ المجتمع سيسير نحو الفساد فوراً، فكيف يتسنى للفرد الكامل أن يعيش في هكذا مجتمع!! وكذلك فرضية تخلف الإِنسان عند امتلاكه الملكات الفاضلة عن العبادات وطاعة اللّه، فإنّها تعني تخلف هذه الملكات عن آثارها(3) - فتأمل. نهاية سورة الحجر ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الموت لأنه متيقن أي اعبده ما دمت حيا.