لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير كل شيء في خدمة الإِنسان!! بعد ذكر مختلف النعم في الآيات السابقة، تشير هذه الآيات إلى نعم أُخرى... فتشير أوّلاً إِلى نعمة معنوية عاليةً في مرماها (وعلى اللّه قصد السبيل) أيْ عليه سبحانه سلامة الصراط المستقيم وهو الحافظ له من كل انحراف، وقد وضعه في متناول الإِنسان. "القصد": بمعنى صفاء واستواء الطريق، فيكون معنى "قصد السبيل" الصراط المستقيم الذي ليس فيه ضلال ولا انحراف(1). ولكن أي النحوين من الصراط المستقيم هو المراد، التكويني أم التشريعي؟ اختلف المفسّرون في ذلك، إِلاّ أنّه لا مانع من قصد الجانبين معاً. توضيح: جهّزَ اللَّهُ الإَنسان بقوى متنوعة وأعطاه من القوى والقابليات المختلفة ما يعينه على سلوكه نحو الكمال الذي هو الهدف من خلقه. وكما أنّ بقية المخلوقات قد أُودعت فيها قوىً وغرائز توصلها إِلى هدفها، إِلاّ أنّ الإِنسان يمتاز عليها بالإِرادة وبحرية الإِختيار فيما يريده، ولهذا فلا قياس بين الخط التصاعدي لتكامل الإِنسان وبقية الأحياء الأُخرى. فقد هدى اللّهُ الإِنسان بالعقل والقدرة وبقية القوى التكوينية التي تعينه للسير على الصراط المستقيم. كما أرسل له الأنبياء والوحي السماوي وأعطاه التعليمات الكافية والقوانين اللازمة للمضي بهدي التشريع الرّباني في تكملة مشوار المسيرة، وترك باقي السبل المنحرفة. ومن لطيف الأسلوب القرآني جعل الأمر المذكور في الآية فريضةً عليه جل شأنه فقال: (على اللّه)، وكثيراً ما نجد مثل هذه الصيغة في الآيات القرآنية، كما في الآية (12) من سورة الليل (إِنّ علينا الهدى)، ولو دققنا النظر في سعة مدلول (على اللّه قصد السبيل) وما أُودع في الإِنسان من هدي تكويني وتشريعي لأجل ذلك لأدركنا عظمة هذه النعمة وما لها من الفضل على بقية النعم. ثمّ يحذر الباري جل شأنه الإِنسانَ من وجود سبل منحرفة كثيرة: (ومنها جائر)(2). وبما أن نعمة الإِرادة وحرية الإِختيار في الإِنسان من أهم عوامل التكامل فيه، فقد أشارت اليها الآية بجملته قصيرة: (ولو شاء لهداكم أجمعين) ولا تستطيعون عندها غير ما يريد اللّه. إِلاّ أنّه سبحانه لم يفعل ذلك، لأنّ الهداية الجبرية لا تسمو بالإِنسان إِلى درجات التكامل والفخر، فأعطاه حرية الإِختيار ليسير في الطريق بنفسه كي يصل لأعلى ما يمكن الوصول إِليه من درجات الرفعة والكمال. كما تشير الآية إِلى حقيقة أُخرى مفادها أنّ سلوك البعض للطريق الجائز والصراط المنحرف ينبغي أن لا يوجد عند البعض توهماً أنّ اللّه مغلوب (سبحانه وتعالى) أمام هؤلاء، بل إِنّ مشيئته جل اسمه ومقتضى حكمته دعت لأن يكون الإِنسان حراً في اختياره ما يريد من السبل. وفي الآية التالية يعود إِلى الجانب المادي بما يثير حسّ الشكر للمنعم عند الناس، ويوقد نار عشق اللّه في قلوبهم بدعوتهم للتقرب أكثر وأكثر لمعرفة المنعم الحق، فيقول: (هو الذي أنزل من السماء ماء) ماء فيه سبب الحياة، وزلالا شفافاً خال من أيِّ تلوّث (لكم منه شراب)، وتخرج به النباتات والأشجار فترعى أنعامكم (ومنه شجر فيه تسيمون). "تسيمون": (من مادة الإِسامة) بمعنى رعي الحيوانات، وكما هو معلوم فإِنّ الحيوانات تستفيد من النباتات الأرضية وورق الأشجار، و"الشجر" لغةً: ذو معنى واسع يشمل إِطلاقه الأشجار وغيرها من النباتات. وممّا لا شك فيه أيضاً أنّ ماء المطر لا تقتصر فائدته لشرب الإِنسان وإِرواء النباتات، بل ومن فوائده أيضاً: تطهير الأرض، تصفية الهواء، إِيجاد الرطوبة اللازمة لطراوة جلد الإِنسان وتنفسه براحة، وما شابه ذلك... فالمذكور من فوائده في هذه الآية لا حصراً وإِنّما من باب الأهم. فيكمل الموضوع بقوله: (ينبت لكم من الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات). ولا شك أنّ خلق هذه الثمار المتنوعة وكل ما هو موجود من المحاصيل الزراعية لآية للمتفكرين (إِنّ في ذلك لآية لقوم يتفكرون). "الزرع": يشمل كل مزروع و"الزيتون" اسم لشجرة معروفة واسم لثمرها أيضاً. إِلاّ أن بعض المفسّرين يذهبون إِلى أنّ "الزيتون" هو اسم الشجرة فقط، واسم ثمرتها "زيتونة". في حين أنّ الآية الخامسة والثلاثين من سورة النّور تطلق كلمة "الزيتونة" على الشجرة. و"النخيل" تستعمل للمفرد والجمع... و"الأعناب" جمع أعنبة، وهي ثمرّة معروفة. وهنا يرد سؤال وهو: لماذا اختار القرآن ذكر هذه الثمار دون غيرها (الزيتون، التمر، العنب)؟ ستقرأ توضيح ذلك في البحوث التّفسيرية لهذه الآيات إِن شاء اللّه. ﴿وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ بيان الطريق المستقيم المفضي إلى الحق ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ ومن السبل ما هو مائل عن القصد ﴿وَلَوْ شَاء﴾ مشيئة حتم ﴿لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أو لهداكم إلى الجنة تفضلا.