لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير نعمة الجبال والبحار والنجوم: تبيّن هذه الآيات قسماً آخر من النعم الإِلهية غير المحدودة التي تفضل بها اللّه عزَّوجلّ على الإِنسان، فيبدأ القرآن الكريم بذكر البحار، المنبع الحيوي للحياة، فيقول: (وهو الذي سخر البحر). وكما هو معلوم أنّ البحار تشكل القسم الأكبر من سطح الكرة الأرضية، وأن الماء أساس الحياة، ولا زالت البحار باعتبارها المنبع المهم في إِدامة الحياة البشرية وحياة جميع الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية. فما أكبرها من نعمة حين جعلت البحار في خدمة الإِنسان... ثمّ يشير الباري سبحانه إِلى ثلاثة أنواع من منافع البحار: (لتأكلوا منه لحماً طرياً) فقد جعل اللّه في البحار لحماً ليتناوله الإِنسان من غير أن يبذل أدنى جهد في تربية، بل أوجدته ونمّته يد القدرة الإِلهية، وقد خصه بالطراوة، فمع الأخذ بنظر الإِعتبار أنّ اللحوم غير الطازجة متوفرة في ذلك الزمان وفي هذا الزمان على السّواء ندرك جيداً أهمية هذه النعمة، وفي ذلك إشارة أيضاً الى أهمية اللحوم الطازجة. ومع ما شهدته الحياة البشرية من التقدم والتمدن المدني في كافّة أصعدة الحياة لا زال البحر أحد المصادر الرئيسية للتغذية، ويصاد سنوياً مئات الآلاف من الأطنان من الأسماك الطرية التي أوجدتها ورعتها يد اللطف الإِلهية لأجل الإِنسان. ونجد أنظار العلماء متجهة صوب البحار في قبال ما سيهدد البشرية من خطر نقص المواد الغذائية في المستقبل جراء الزيادة السكانية الهائلة، آملين خيراً بأنّ البحار ستسد مقداراً ملحوظاً من ذلك النقص، بواسطة تربية وتكثير أنواع الأسماك. ومن جهة أُخرى وضعوا عدّة مقررات لمنع تلوّث مياه البحار للحد من تلف نسل الحيوانات البحرية، وكل ذلك يوضح ما في الآية المذكورة من مسائل علمية طرحت على البشرية قبل أربعة عشر قرناً. ومن فوائد البحار أيضاً تلك المواد التجميلية المستخرجة من قاعه: (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها). الحس الجمالي من الأُمور الفطرية التي فطر الإِنسان عليها وهو الباعث على إِثارة الشعر والفن الأصيل وما شاكلها عنده. وبلا شك، يلعب هذا البعد دوراً مهمّاً في حياة البشر، وينبغي العمل على إِشباعه بشكل صحيح وسالم بعيداً عن أي نوع من الإِفراط والتفريط... فلا فرق بالنتيجة بين مَنْ غرق في عبادة التجميل والزينة، وبين مَنْ أهملها وعاش حالة الجفاف الجمالي، لأنّ الأوّل مارس الإِفراط الباعث على تلف رأسماله وبات سبباً في إِيجاد الفواصل الطبقية المصاحب لقتل كل ما يمت للمعنويات بصلة، والثّاني مارس التفريط الباعث على الخمود والركود. فالإِثنان معاً عملا بما لا ينبغي أن يعمله أيْ إِنسان ذو فطرة سليمة بكافة أبعادها. ولهذا أوصى الإِسلام كثيراً بالتزين المعقول الخالي من أيْ إِسراف مثل: لبس اللباس الجيد، التطيب بالعطور، استعمال الأحجار الكريمة...الخ. ثمّ يتطرق القرآن إِلى الفائدة الثّالثة في البحار: حركة السفن على سطح مياهها، كوسيلة مهمّة لتنقل الإِنسان ونقل ما يحتاجه، فيقول: (وترى الفلك مواخر فيه)، وما أجمل ما تقع عليه أنظار راكبي السفينة حين حركتها على سطح البحار والمحيطات. وأعطاكم اللّه هذه النعمة لتستفيدوا منها في التجارة أيضاً (ولتبتغوا من فضله)(1). وبعد ذكر هذه النعم التي تستلزم من الإِنسان العاقل أن يشكر واهبها، يأتي في ذيل الآية: (ولعلكم تشكرون). "الفلك": أيْ السفينة، وتأتي بصيغتي المفرد والجمع. "مواخر" جمع "ماخرة" (من مادة مخر) على وزن (فخر) بمعنى شق الماء يميناً وشمالا، وتطلق على صوت الرياح الشديد أيضاً، وباعتبار السفن عند حركتها تشق الماء بمقدمتها فيطلق عليها اسم (الماخر) أو الماخرة. ونتساءل: مَنْ الذي أعطى المواد التي تصنع منها السفن خاصية الطفو على سطح الماء؟ فالسفينة بما تحمل أثقل من الماء بكثير، ولو لم تكن تلك القوّة الدافعة للماء، هل بإِمكاننا العوم على سطح المياه؟ ومَنْ الذي يحرك الرياح على سطح البحر؟ بل مَنْ أعطى البخار القوّة لتحريك السفينة في مسيرها على سطح الماء؟ أوَ ليس ذلك كله من نعم اللّه تعالى؟ وممّا يكشف عن عظم نعمة البحار أنّها: أوسع بكثير من الطرق البرية، أقلّ كلفة، أكثر أهليةً للحركة، أعظم وسيلة نقلية للبشر، وذلك بملاحظة كبر السفن المستخدمة في النقل وضخامة ما تحمله. ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ هيأه لانتفاعكم به ركوبا وأكلا أو لبسا ﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هو السمك ﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ هي اللؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾ السفن ﴿مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ جواري تمخر الماء أي تشقه بصدرها ﴿وَلِتَبْتَغُواْ﴾ تطلبوا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ تعالى بركوبه للتجارة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الله.