وبعد أن بيّن القرآن كل هذه النعم الجليلة والألطاف الإِلهية الخفية، راح يدعو الوجدان الإِنساني للحكم في ذلك (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذّكرون)؟!!
وكما اعتدنا عليه من القرآن في أُسلوبه التربوي الهادف المؤثر، فقد طرح مسألة المحاججة بصيغة سؤال يترك الجواب عنه في عهدة الوجدان الحي للإِنسان، مستعيناً بتحريك الإِحساس الباطني ليجيب من أعماق روحه، ولينشد عشقاً بخالقه.
والثابت في ا لواقع النفسي للإِنسان، أن التعليم والتربية السليمة يستلزمان بذل أقصى سعي ممكن لإِقناع المقابل بقبول ما يوجه إِليه عن قناعة ذاتية، أي ينبغي إِشعاره بأن ما يعطى إليه ما هو في حقيقته إلاّ انبعاث من داخله وليس فرضاً عليه من الخارج ليتقبلها بكل وجوده ويتبناها ويدافع عنها.
ونجد من الضرورة إعادة ما قلناه سابقاً من أن المشركين الذين كانوا يسجدون للأصنام كانوا يعتقدون أنّ اللّه عزَّوجلّ هو الخالق، ولهذا يتساءل القرآن الكريم... مَنْ أحقُ بالسجود... خالق كل شيء أم المخلوق؟!!
﴿أَفَمَن يَخْلُقُ﴾ هذه الأشياء وهو الله ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ شيئا وهو الأصنام ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ذلك فتوحدوا الله.