سبب النّزول
جاء في تفسير مجمع البيان: يروى أنّها نزلت في المقتسمين وهم ستة عشر رجلا خرجوا إِلى عقاب مكّة أيام الحج على طريق الناس على كل عقبة أربعة منهم ليصدوا الناس عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وإِذا سألهم الناس عمّا أنزل على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا: أحاديث الأولين وأباطيلهم.
التّفسير
حمل أوزار الآخرين:
دار الحديث في الآيات السابقة حول عناد المستكبرين واستكبارهم أمام الحق، وسعيهم الحثيث في التنصل عن المسؤولية وعدم التسليم للحق.
أمّا في هذه الآيات فيدور الحديث حول منطق المستكبرين الدائم، فيقول القرآن: (وإِذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأولين) فليس هو وحي الهي، بل أكاذيب القدماء.
وكانوا يرمون بكلامهم المؤذي هذا إِلى أمرين:
الأوّل: الإِيحاء بأن مستوى تفكيرهم وعلميتهم أرقى ممّا أنزل اللّه!!
الثّاني: ما جاء به النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إِنْ هو إِلاّ أساطير الأولين قد صيغت بعبارات جذابة لتنطلي على عوام الناس، وهذا ليس بالجديد، وما محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلاّ معيد لما جاء به الأوّلون من أساطير.
"الأساطير"(1): جمع أسطورة، وتطلق على الحكايات والقصص الخرافية والكاذبة، وقد وردت هذه الكلمة تسع مرات في القرآن الكريم نقلا عن لسان الكفار ضد الأنبياء تبريراً لمخالفتهم الدعوة إِلى اللّه عزَّوجلّ.
وفي جميع المواطن ذكروا معها كلمة "الأوّلين" ليؤكدوا أنّها ليست بجديدة وأنّ الأيّام ستتجاوزها!! حتى وصل بهم الحال ليغالوا فيما يقولون، كما جاء عن لسانهم في الآية (31) من سورة الأنفال: (قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا).
والملاحظ على مستكبري يومنا توسلهم بنفس تلك التهم الباطلة هروباً من الحق وإِضلالا للآخرين، ووصلت بهم الحماقة لأنْ يعتبروا منشأ الدين من الجهل البشري، وما الآراء الدينية إِلاّ أساطير وخرافات!! حتى أنّهم اثبتوا ذلك في كتب (علم الإِجتماع ودوّنوه بصياغة (علمية) كما يدّعون).
أمّا لو نفذنا في أعماق تفكيرهم لوجدنا صورة أُخرى: فهم لم يحاربوا الأديان والمذاهب الخرافية المجعولة أبداً، فهم مؤسسوها والداعون لنشرها، إِنّما محاربتهم للأصالة والدين الحق الذي يوقظ الفكر الإِنساني ويحطم الأغلال الإِستعمارية ويقطع دابر المنحرفين عن جادة الصواب.
إِنهم يرون عدم انسجام دعوة الدين إِلى الأخلاق الحميدة، لأنّها تعارض أهواءهم الطائشة ورغباتهم غير المشروعة.
لذلك يجدون في دعوة الحق مانعاً أمام ما يطمحون الحصول عليه، ونراهم يستعملون مختلف الأساليب لتوهين هذا الدين القيم وإِسقاطه من أنظار الآخرين كي تخلو الساحة لهم ليفعلوا ما يشاؤون.
ومن المؤسف أنّ طرح بعض الخرافات والأفكار الخاطئة في قالب ديني من قبل الجهلة، كان بمثابة العامل المساعد في تجرّي هؤلاء ودفعهم لإِلصاق تهمة الخرافات بالدين.
ولابدّ للمؤمنين الواعين أمام هذه الحال من الوقوف بكل صلابة أمام الخرافات ليبطلوا هذا السلاح في أيدي أعدائهم ويذكروا هذه الحقيقة في كل مكان وأن هذه الخرافات لا ترتبط بالدين الحق أبداً ولا ينبغي للداعية المخلص أن يجعل الخرافات ذريعة لأعداء الدين في محاربته ومحاربتنا، لأنّ عملية انسجام التعليمات الربانية مع العقل بحدّ من المتانة والوضوح لا يفسح أيّ مجال لأنّ تُوجه إِليه هكذا أباطيل.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُم﴾ لمقيمي طرق مكة لصد الناس والقائل الوافدون عليهم أو المسلمون ﴿مَّاذَا﴾ أي شيء ﴿أَنزَلَ رَبُّكُمْ﴾ وما الذي أنزله ﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أي المنزل في زعمكم أكاذيب الأولين.