ثمّ تُذكر الآية الأُخرى أن تهمة وصف الوحي الإِلهي بأساطير الأوّلين ليست بالأمر المستجد: (قد مكر الذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون).
مع أنّ بعض المفسّرين قد ذهب بالآية إِلى قصة "النمرود" وصرحه الذي أراد من خلاله محاربة رب السماء!! والبعض الآخر فسرها بقصة "بخت نصر"... إِلاّ أن الظاهر من مفهوم الآية شمول جميع مؤامرات ودسائس المستكبرين وأئمّة الضلال.
ومن لطيف دقّة العبارة القرآنية، أنّ الآية أشارت إِلى أنّ اللّه عزَّوجلّ لا يدمرّ البناء العلوي للمستكبرين فحسب، بل سيدمره من القواعد لينهار بكله عليهم.
وقد يكون تخريب القواعد وإِسقاط السقف إِشارة إِلى أبنيتهم الظاهرية، من خلال الزلازل والصواعق لتنهار على رؤوسهم، وقد يكون إِشارة إِلى قلع جذور تجمعاتهم وأحزابهم بأمر اللّه عزَّوجلّ، بل لا مانعمن شمول الأمرين معاً.
وممّا يلفت النظر أنّ القرآن ذكر كلمة "السقف" بعد ذكر "من فوقهم"، ف- "السقف" عادة في الطرف الأعلى من البناء، فما الذي إستلزم ذكر "من فوقهم"؟ ويمكن حمله للتأكيد، وكذلك لبيان أنّ السقوط سيتحقق بوجودهم أسفله لهلاكهم، حيث أنّ السقوط قد يحدث بوجود أصحاب الدار أو عدم وجودهم.
وقدم لنا التأريخ قديمه وحديثه بوضوح صوراً شتى للعقاب الإِلهي، فإِحكام الطغاة والجبابرة لما يعيشون ويتمتعون في كنفه من حصون وقلاع، إِضافة لخططهم المحبوكة كي يستمر لهم ولنسلهم الحال، وما قاموا به من تهيئة وإِعداد كل مستلزمات بقاء قدرة التسلط ودوام نظام الحكم... كل ذلك لا يعبر في الحقيقة إِلاّ عن ظواهر خاوية من كل معاني القدرة والإِقتدار والدوام، حيث تحكي لنا قصص التاريخ أنّ هؤلاء يأتيهم العذاب الإِلهي وهم بذروة ما يتمتعون به، وإِذا بالقلاع والحصون تتهاوى على رؤوسهم فيفنون ولا تبقى لهم باقية.
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ﴾ أي أمره ﴿بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ﴾ الأساس ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ﴾ أي وكانوا تحته ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ لا يحتسبون.