وتشير الآية التالية إِلى أحد أقوال المشركين الخاوية، فتقول: (وقال الذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيء).
إِنّ قولهم (ولا حرّمنا) إِشارة إِلى بعض أنواع الحيوانات التي حرّم لحومها المشركون في عصر الجاهلية، والتي أنكرها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بشدة.
والخلاصة: أنّهم أرادوا الادعاء بأنّ كلَّ ما عملوه من عبادة للأصنام إِلى تحليل وتحريم الأشياء، إِنما كان وفقاً لرضا اللّه تعالى وبإِذنه!!
ولعل قولهم يكشف عن وجود عقيدة (الجبر) ضمن ما كانوا به يعتقدون، معتبرين كل ما يصدر منهم إِنْ هو إِلاّ من القضاء المحتوم عليهم (كما فهم ذلك جمع كثير من المفسّرين).
وثمّة احتمال آخر: إِنّهم لم يقولوا ذلك اعتقاداً منهم بالجبر، وإِنّما أرادوا الإِحتجاج على اللّه سبحانه، وكأنّهم يقولون: إِنْ كانت أعمالنا لا ترضي اللّه تعالى فلماذا لم يرسل إِلينا الأنبياء لينهونا عمّا نقوم به، فسكوته وعدم منعه ما كنّا نعمل دليل على رضاه.
وهذا الإِحتمال ينسجم مع ذيل الآية والآيات التالية.
ولهذا يقول تعالى مباشرة: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إِلاّ البلاغ المبين)... يعني.
أوّلاً: أنْ تقولوا أنَّ اللّه سكت عن أعمالنا!! فإِنّ اللّه قد بعث إِليكم الأنبياء، ودعوكم إِلى التوحيد ونفي الشرك.
ثانياً: إنّ وظيفة اللّه تعالى والنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليسَ هي هدايتكم بالجبر، بل بإِراءتكم السبيل الحق والطريق المستقيم، وهذا ما حصل فعلا.
أمّا عبارة (كذلك فعل الذين من قبلهم) فمواساة لقلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، بأن لا يحزن ويثبت في قبال ما يواجه من قبل المشركين، وأنّ اللّه معه وناصره.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ كأنهم كانوا جبرية أو أشعرية ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فنسبوا إليه مشيئة ما فعلوه من شرك ونحوه كما مر في الأنعام ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ للحق وتنزيه الله عن الظلم.