ويعود القرآن الكريم ليستنكر بدع المشركين وخرافاتهم في الجاهلية (حول كراهية المولود الأنثى والإِعتقاد بأنّ الملائكة إِناثاً، فيقول: (ويجعلون لله ما يكرهون).
فهذا تناقض عجيب - وكما جاء في الآية (22) من سورة النجم (تلك إِذَاً قسمة ضيزى) فإِنْ كانت الملائكة بنات اللّه سبحانه وتعالى فينبغي أن تكون البنات أمراً حسناً، فلماذا تكرهون ولادتها؟!!
وإِنْ كانت شيئاً سيئاً فلماذا تنسبونها إِلى اللّه؟!!
ومع كل ذلك... (وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى).
فبأي عمل تنتظرون حسنى الثواب؟!!
أبوأدكم بناتكم؟!!
أم بافترائكم على اللّه؟!!
... وجاءت "الحسنى" (وهي مؤنث أحسن) هنا بمعنى أفضل الثواب أو أفضل العواقب، وذلك ما يدعيه أُولئك المغرورون الضالون لأنفسهم مع كل ما جاؤوا به من جرائم!!
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: كيف يقول عرب الجاهليه بذلك وهم لا يؤمنون بالمعاد؟
والجواب: أنّهم لم ينكروا المعاد مطلقاً، وإِنّما كانوا ينكرون المعاد الجسماني، ويستوعبون مسألة عودة الإِنسان إِلى حياته المادية مرّة أُخرى.
إِضافة إِلى إِمكان اعتبار قولهم قضية شرطية، أيْ: إِنْ كان هناك معاد حقّاً فسيكون لنا في عالمه أفضل الجزاء!! وهكذا هو تصور كثير من الجبابرة والمنحرفين فبالرغم من بُعدهم عن اللّه تعالى يعتبرون أنفسهم أقرب الناس اليه، ويتشدّقون بادّعاءت هزيلة مدعاة للسخرية!!
واحتمل بعض المفسّرين أيضاً أنّ "الحسنى" تعني نعمة الأولاد الذكور، لأنّهم يعتبرون البنات سوءاً وشرّاً، والبنين نعمةً وحسنى.
إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صواباً، ولهذا يقول القرآن، وبلا فاصلة: (لا جَرَمَ أنّ لهم النّار)، أيْ: أنّهم ليسوا فاقدين لحسن العاقبة فقط، بل و"لهم النّار" (و إِنّهم مفرطون) أيْ: من المتقدمين في دخول النّار.
والمفرط: من فرط، على وزن (فقط) بمعنى التقدم.
وربّما يراود البعض منّا الإِستغراب عند سماعة لقصة عرب الجاهلية في وأدهم للبنات، ويسأل: كيف يصدَّق أن نسمع عن إِنسان ما يدفن فلذة كبده بيده وهي على قيد الحياة؟!!
﴿وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ لأنفسهم من البنات والشركاء في الرئاسة وإهانة الرسل ورديء المال ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ مع ذلك وهو زعمهم ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ عند الله أي الجنة إن صح البعث ﴿لاَ جَرَمَ﴾ حقا ﴿أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ﴾ لا الحسنى ﴿وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ مقدمون إلى النار.