لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
كما رأينا من ربط القرآن في بحوثه المتعلقة بالتوحيد ومحاربة الشرك مع بحث المعاد ومحكمة القيامة الكبرى، نراه هنا يتناول الإِجابة على إِشكالات المشركين فيما يخص المعاد، فيقول لهم: (لله غيب السماوات والأرض). وكأن الآية جواب على الإِشكال العالق في أذهان وألسنة منكري المعاد الجسماني بقولهم: إِنّنا إِذا متنا وتبعثرت ذرات أجسامنا بين التراب، فمن يقدر على جمعها؟!! وإِذا ما افترضنا أنّ هذه الذرات قد جمعت وعدنا إِلى الحياة، فَمَنْ سيعلم بأعمالنا التي طوتها يد النسيان فنحاسب عليها؟!! وبعبارة مختصرة تجيب الآية على كل أبعاد السؤال، فالله عزَّوجلّ "يعلم غيب السماوات والأرض" فهو حاضر في كل زمان ومكان، وعليه فلا يخفى عليه شيء أبداً، ولا مفهوم لقولهم إِطلاقاً، وكل شيء يعلمه تعالى شهوداً، وأمّا تلك العبارات والأحوال فإِنّما تناسب وجودنا الناقص لا غير. ثمّ يضيف قائلا: (وما أمر الساعة إِلاّ كلمح البصر أو هو أقرب)(3). وهذا المقطع القرآني يشير إِلى رد إِشكال آخر كان يطرحه منكرو المعاد بقولهم: مَنْ له القدرة على المعاد ومن يتمكن من انجاز هذا الأمر العسير؟!! فيجيبهم القرآن، بأن هذا الأمر يبدو لكم صعباً لأنّكم ضعفاء، أمّا لصاحب القدرة المطلقة فهو من السهولة والسرعة بحيث يكون أسرع ممّا تتصورون، وإِنْ هو (إِلاّ كلمح البصر) منكم. وبعد أن شبّه قيام الساعة بلمح البصر، قال: (أو هو أقرب)، أيْ: إِنّ التشبيه بلمح البصر جاء لضيق العبارة واللغة، وإِنّما هو من السرعة بما لا يلحظ فيه الزمان أساساً، وما ذلك الوصف إِلاّ لتقريبه لأذهانكم من حيث أنّ لمح البصر هو أقصر زمان في منطقكم. وعلى أيّة حال، فالعبارتان إِشارة حيّة لقدرة اللّه عزَّوجلّ المطلقة، وبخصوص مسألتي المعاد والقيامة، ولهذا يقول الباري في ذيل الآية: (إِنّ اللّه على كل شيء قدير). بحوث 1 - الإِنسان بين الحرية والأسر إِنّ مسألة التوحيد والشرك ليست مسألة عقائدية ذهنية صرفة كما يتوهم البعض وذلك لما لها من آثار بالغة على كافة أصعدة الحياة، بل وأنّ بصماتها لتراها شاخصة على كافة مرافق ومناحي الحياة - فالتوحيد إِذا دخل قلباً أحياه وغرس فيه عوامل الرّشد والكمال، لانّه بتوسيع أفق نظر وتفكير الإِنسان بشكل يجعله مرتبطاً بالمطلق. والشرك على العكس من ذلك تماماً، حيث يجعل الإِنسان يعيش في دوامة عالم محدود، وتتقاذف كيانه تلك الأصنام الحجرية والخشبية، أو ميول وشهوات الأصنام البشرية الضعيفة، فيختزل فكر وإِدراك وقدرة وسعي الإِنسان في دائرة تلك الأبعاد الضيقة التقاذف. وقد صورت الآيات تصويراً دقيقاً لهذا الواقع، وجمعته في مثال تقريباً للأذهان وقالت: إِنّ المشرك في حقيقة أبكم وممارساته تنم عن خطل تفكيره وفقدانه للمنطق السليم، وقد قيد الشرك إِمكانياته فجعله خواء لا يقوى على القيام بأي شيء فانسلخت منه حريته بعد أن أسلم نفسه أسيراً في يد الخرافات والأوهام. وبسبب هذه الصفات المذمومة فهو كَلٌّ على المجتمع، لأنّه يستهين بكرامة وعزّة المجتمع من خلال تسليم مقدراته بيد الأصنام أو المستعمرين. وهو تابع أبداً مادام لم يتحرر من ربقة الشرك، ولن يذوق طعم الحرية والإِستقلال الحق إِلاّ بعد أن يتوجه إِلى التوحيد بصدق. ونتيجة لمتبنياته الفكرية الضالة فلن يخترق طريقاً إِلاّ ضاع به، ولن يجد الخير أينما حط (أينما يوجهه لا يأت بخير). فكم هي الفاصلة بين ذلك الخرافي، ضيق الأفق، الأسير، العاجز... وبين هذا الحر، الشجاع، الذي لا يكتفي بنهج خط العدل، بل يدعو إِليه ليعم كل الناس؟!! الشخص الذي يمتلك الفكر المنطقي المنسجم مع نظام التوحيد الحاكم على الخليقة يسير دوماً على صراط مستقيم، وهذا السير سيوصله بأقرب وأسرع طريق إِلى الهدف المنشود دون أن يفني ذخائر وجوده في طرق الضلال والإِنحراف. وخلاصة القول: فالتوحيد والشرك ليسا أمراً عقائدياً ذهنياً بحتاً، بل نظام كامل لكل الحياة، وبرنامج واسع يشمل: فكر، أخلاق وعواطف الإِنسان ويتناول كذلك حياته الفردية، الإِجتماعية، السياسية، الإِقتصادية والثقافيه. لو وضعنا مقايسة بين عرب الجاهلية المشركين والمسلمين في صدر الإِسلام لوجدنا الفرق الواضح بين المسيرين... الأشخاص الذين كانوا في: جهل، تفرقة، إِنحطاط، ولا يعرفون إِلاّ محيطاً محدوداً مملوءاً بالفقر والفساد، نراهم قد أصبحوا وكلهم: وحدة، علم، قدرة... حتى أصبح العالم المتمدن في ذلك الزمان تحت تأثيرهم وقدرتهم... كل ذلك بسبب تغيير سير خطواتهم من الشرك إِلى التوحيد. 2 - دور العدل والإِستقامة في حياة الإِنسان من الملفت للنظر إِشارة الآيات إِلى الدعوة للعدل والسير على الصراط المستقيم من بين صفات وشوؤن الموحدين، لتبيان ما لهذين الأمرين من أهمية في خصوص الوصول إِلى المجتمع الإِنساني السعيد، وهو ما يتم من خلال امتلاك برنامج صحيح بعيد عن أي انحراف يميناً أو شمالا (لا شرقي ولا غربي)، ومن ثمّ الدعوة لتنفيذ ذلك البرنامج المبني على أُصول العدل، كما وينبغي أن لا يكون البرنامج وقتياً ينتهي بانقضاء المدّة، بل كما يقول القرآن: (يأمر بالعدل) (حيث يعطي الفعل المضارع معنى الإِستمرار) برنامج مستمر ودائمي. 3 - أمّا الرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) الرّوايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) بخصوص تفسير هذه الآية تذكر أنّ: "الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمّة صلوات اللّه عليهم"(4). وذكر بعض المفسّرين: أنّ جملة (من يأمر بالعدل) نزلت في: حمزة وعثمان بن مظعون أو في عمار. و(أبكم) في: أُبي بن مخلف وأَبي جهل ومَنْ شابههم. وكل ذلك إِنّما هو من جهة بيان مصاديق مهمّة وواضحة للآية، ولا يمكن بأية حال أن يكون سبباً للحصر، مع ملاحظة أنّ التفاسير التي تناولت الآيات المبحوثة مبينة على أساس بيان الفرق بين المشركين والمؤمنين، وليس بين الأصنام وبين اللّه عزَّ وجلّ. ﴿وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ يختص به علم ما غاب عن الخلق فيهما ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ﴾ أمر إقامتها في قدرته ﴿إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ كرد الطرف ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ منه في السرعة والسهولة وأو للتخيير أو بمعنى بل ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه إقامة الساعة وإحياء الخلق.