والآية التالية تجيب على توهم غالباً ما يطرق الأذهان عند الحديث عن الإِمتحان الإِلهي والتأكيد على الإِلتزام بالعهود والوظائف، وخلاصته: هل أنّ اللّه لا يقدر على إِجبار الناس جميعاً على قبول الحق؟ فتقول: (ولو شاء اللّه لجعلكم أُمّة واحدة).
"أُمّة واحدة" من حيث الإِيمان والعمل على الحق بشكل إِجباري، ولكن ذلك سوف لا يكون خطوة نحو التكامل والتسامي ولا فيه أفضلية للإِنسان في قبوله الحق، وعليه فقد جرت سُنّة اللّه بترك الناس أحراراً ليسيروا على طريق الحق مختارين.
ولا تعني هذه الحرية بأنّ اللّه سيترك عباده ولا يعينهم في سيرهم، وإِنّما بقدر ما يقدمون على السير والمجاهدة سيحصلون على التوفيق والهداية والسداد منه جل شأنه، حتى يصلوا لهدفهم، بينما يحرم السائرون على طريق الباطل من هذه النعمة الرّبانية، فتراهم كلما طال المقام بهم ازدادوا ضلالا.
ولهذا يواصل القرآن الكريم القول بـ: (ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء).
ولكنّ الهداية الإِلهية أو الإِضلال لا تسلب المسؤولية عنكم، حيث أنّ الخطوات الأُولى على عواتقكم، ولهذا يأتي النداء الرباني: (ولتسئلنّ عمّا كنتم تعملون).
وتشير هذه العبارة إِلى نسبة أعمال البشر إِلى أنفسهم، وتؤكّد على تحميلهم مسؤولية تلك الأعمال، وتعتبر من القرائن الواضحة في تفسير مفهوم الهداية والإِضلال الإلهيين وأن أيّاً منهما لا يستبطن صفة الإِجبار أبداً.
وقد بحثنا هذا الموضوع سابقاً (راجع تفسير الآية (26) من سورة البقرة).
﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ مشيئة إلجاء ﴿لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ مهتدين ﴿وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء﴾ يخذله بسوء اختياره ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ بلطفه لأنه من أهله ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ﴾ تبكيتا ﴿عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فتجازون به.